العادة في «الزمن المفقود»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«العادة إنها مدبّر ماهر، ولكنّه بطيء جداً يبدأ بتسليم عقلنا للألم على مدى أسابيع في دار سكن مؤقّتة، ولكن فكرنا سعيد على الرغم من ذلك في العثور عليها لأنه بدون العادة، سيعجز عن جعل أي منزل قابل للسكن».

الاقتباس السابق ورد نصاً في الجزء الأول من رواية «بحثاً عن الزمن المفقود» للأديب الفرنسي مارسيل بروست، هذه الرواية التي لطالما شكلت تحدياً كبيراً لملايين القراء حول العالم والتي ثبت أن قليلين هم الذين قرأوها، على أهميتها الأدبية، وذلك بسبب طولها الذي يصل إلى 7 أجزاء كاملة موزعة على 3700 صفحة، يستطرد فيها بروست في وصفه لأدق التفاصيل بجمل وصفية طويلة لا تخلو من اللطافة والعمق، لكل ما بمحيطه، هو الأديب الشاب المعتل الصحة، والذي يقضي معظم وقته في الفراش!

يتنقل بروست بين مدن ومنازل، مثل أي إنسان آخر، كما أنت وهم ونحن، لكننا نتعامل مع الأمر بشكل عملاني أكثر، ننزلق على التفاصيل بطريقة لاشعورية أحياناً، لا ندقق كثيراً في شكل الغرفة الجديدة ولون الستائر التي اختلفت، ومدخل البيت الجديد، وطباع الجيران الجدد.. نحن نأتلف الأمكنة أسرع كلما كنا أصغر وأكثر انشغالاً، ولذلك لا تصيبنا تلك الآفة التي تغلق علينا نوافذ الاستمتاع والبهجة، آفة السأم والقتامة والرفض في التعامل مع الأوضاع الجديدة.

إلا أن بروست الفتى المعتل الصحة، الذي كانت قبلة والدته له في هدأة الليل قبل أن ينام تعني له الكثير، وينتظرها كما ينتظر حلماً لذيذاً، والذي يتأمل تفاصيل تجوال جدته في الحديقة واتساخ تنورتها من الأسفل بسبب الخوض في برك المطر في الحديقة احتاج لحل آخر، نمر به كلنا دون أن نتأمله، إنه الخضوع لمنطق العادة كما يسميه أو التعود بالمرور عبر زمن من الألم تعبره قلوبنا حتى تنفصل عما اعتادت عليه لتتقبل ما سيكون عالمها الجديد، فبدون هذه العادة أو التعود، فإن العقل سيعجز عن جعل أي منزل قابلاً للسكن، وأي جيران قابلين لأن يكونوا جزءاً من حاضرنا!

Email