كيف نحافظ على عقولنا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتأمل في السؤال الصعب والوجودي الذي اختارته الروائية من أصل تركي ألف شافاق عنواناً لأحدث كتبها الذي صدرت ترجمته مؤخراً عن دار الآداب اللبنانية «كيف نحافظ على سلامة عقولنا في عصر منقسم؟»، تتصدى شافاق لمناقشة السؤال والإجابة عنه عبر صفحات قليلة، لكنها حافلة بالمعلومات والقصص والاستشهادات، لقد حاولت بثقافة عميقة تمتلكها وبخبرة عالية في السرد أن تحكي لنا كيف يمكن أن نتقارب ونتعايش وننظر للمستقبل بتفاؤل بالرغم من كل ما يتخبط فيه العالم، وما نتعثر فيه من مخاوف وهواجس وأزمات وإحباطات لا نهاية لها!

تتساءل الكاتبة ممَ يعاني الناس اليوم؟ ما الذي يحول بين تعاونهم واستقرارهم واستتباب السلام؟ إنها تهديدات الاقتصاد والعنف والتطرف المتأسس على العنصرية، إنها الحروب التي دمرت حياة البسطاء والآمنين وألجأتهم إلى الرحيل والهجرة واللجوء والتعرض للمزيد من العنصرية والنبذ، ثم ماذا في المقابل؟ المزيد من الغنى والتكنولوجيا وتدفق الأموال في مناطق محددة من المال، أو بين أيادي فئة لا تتعدى الـ 5 % من سكان الكوكب، يتمتعون بالثروات والموارد بل ويقررون مصائر كل البشر!

التكنولوجيا لم تفعل سوى إلهاء البشر، سوى مضاعفة أموال الأثرياء وبناء المدن الغنية المدججة بالتقنيات الأحدث، لكنها هل أعطت الـ 95 % من سكان الأرض حلولاً لمشاكلهم، هل وفرت لهم الدواء والغذاء والعمل والأمان ومناطق الاستقرار بعيداً عن الكراهية والعنصرية؟ الجواب معروف!

قبل سنتين عرض المسلسل الإسباني (الحاجز)، والذي أعتبره واحداً من أهم المسلسلات على نتفلكس، هذا المسلسل يختصر الشيء الكثير من فكرة شافاق حول أهل المركز الذين يملكون كل شيء وأهل الهامش المحرومين من كل شيء والصراع الذي ينشب بينهم في مدينة مدريد المتخيلة عام 2045، متسبباً في الكثير من الفقر والخوف والكراهية والعنصرية، وينعدم الأمل في التغيير، بينما الحاجز يقف مهدداً بفقدان الأمل تماماً، لكن التغيير سيأتي لا محالة، وعلينا أن نتحلى بنفوس أكثر تفاؤلاً كما تدعونا شافاق رغم ما تعانيه نفسها من مخاوف، لكنها تحاول أن تضع أمامنا علامات مضيئة لعبور الحاجز!

Email