يطرح أساتذة الإعلام والاتصال اليوم سؤالاً يعبر عن تحدٍ كبير يواجه هذا النوع من التخصصات الأكاديمية، التي تخضع لاشتراطات التحولات الكبرى.
فيما يتعلق بالثورة التقنية وثورة الاتصالات والمواصلات، ذلك أن التقنية التي تطور الإعلام تخلق له في الوقت نفسه تحديات وجودية كبرى لابد من التفكير في إيجاد حلول لها كهذا السؤال: ماذا نعلم الطلاب في كليات الإعلام وعلوم الاتصال بعد أن أصبح أغلب الإعلام إلكترونياً أو يدار بالذكاء أو الذكاءات الصناعية؟
ما هي التخصصات التي ما زال بإمكان الإنسان أن يؤديها بعيداً عن استحواذ التقنية والروبوتات؟ ما الذي يمكن لفكر الإنسان ومعارفه أن يقدماه في الصحافة طالما أن هناك برمجيات مثل (chat gtb) باستطاعتها أن تقدم كل شيء في غمضة عين؟
إن بإمكان ممارسي الإعلام في الإذاعات والتلفزة والصحف والإعلام الرقمي والتصوير وغير ذلك، أن يعددوا لنا عشرات الوظائف التي ما عادت بحاجة لإنسان يقف أمامها ويباشر توجيهها، بل إنها على العكس تماماً بإمكانها أن توجه القائم بالاتصال وتستوقفه إذا أخطأ، وتقرأ نيابة عنه الخبر وحتى نشرة الأخبار كاملة، وتضع الصياغات المثلى للأخبار، وتزود قاعات التحرير ووكالات الأنباء العالمية والمحلية بالتقارير والمعلومات المطلوبة في ثوانٍ معدودة، هذا هو الواقع اليوم وهو ذاهب لأكثر من ذلك قي الغد!
لقد اخترع الإنسان الكمبيوتر لكنه تغلب عليه، وصنع البرمجيات فحلت محله، واحتفى بل وتباهى باقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي، لكنه بدأ يزيحه من المكان ويأخذ وظائفه، وهذا ما يجب أن تتم إعادة التفكير فيه وإعادة توجيهه وبرمجته لتبقى الثورة التقنية في خدمة الإنسان والحضارة لا سبباً في محوها أو هزيمتها!
تبقى الحقيقة ثابتة وهي أن الذي صنع التقنيات والبرمجيات فائقة الذكاء هو الإنسان، وحين تمدنا البرامج بمعلومات أو مقالات وأبحاث فإن هذه المعرفة هي نتاج إنساني وضعها وألفها علماء ودارسون، وكل ما فعله البرنامج أن جمعها من محركات البحث بسرعة فائقة وأعاد تقديمها لنا. الإنسان هو من يصنع المعرفة وليس التقنية، ومن دون المعرفة لا شيء يمكن أن ينمو ويزدهر ويكون له قيمة.