لماذا ألغيت الفلسفة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تلك الأيام البعيدة من بداية سنوات الثمانينيات، عندما غادرنا المرحلة الثانوية، بكتبها ومناهجها ومشاكلها، لنستقبل مرحلة جديدة، وسنوات تحتشد بالجديد والاستقلالية، والتمتع بذلك الهامش من الحرية، بالقدر الذي تتيحه لنا الحياة والإقامة في السكنات الداخلية لجامعة الإمارات، كان هناك تغيير جذري كامل ينتظرنا في الجامعة، وكنا منساقين لمعرفته واكتشافه.

لقد كانت الجامعة طليعة مشروع التغيير الضخم والمستمر منذ بدايات التأسيس في مجتمع الإمارات، لذلك لم نلتفت إلى الخلف، لنعرف ما الذي حدث في مدارسنا التي تركناها خلفنا، ما الذي تغير، وما الذي بقي على حاله، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لنا في ذلك العمر، الذي لم يصل فيه وعينا بعد لذاك المستوى من الاهتمام والمتابعة، والحقيقة أن أول تغيير كان على مستوى المناهج، هو حذف العديد من المواد الدراسية، كالفلسفة والمنطق وعلم النفس والموسيقى، وربما الرسم كذلك!

ربما كنا آخر سلالة الطلاب الذين تنعموا بدراسة هذه العلوم الفكرية العظيمة، واليوم، نحن نحمد الله على ذلك في الحقيقة، فليس ما هو أعمق ولا أكثر تأثيراً في نفوسنا في تلك الأيام، مثل الفلسفة والمنطق والأدب والبلاغة، ودراسة العديد من الروايات والمسرحيات، والكتب الفكرية التي كانت مقررة علينا في منهاج اللغة العربية، لقد تعرفنا إلى شكسبير وعباس العقاد وطه حسين و… وغيرهم من عظماء الأدب، في تلك السن الصغيرة.

اليوم، يعاد الاعتبار لكل تلك المناهج والعلوم، ويقال إن الموسيقى والفلسفة والمنطق، ستعاد إلى قوائم المناهج، فهل أعيدت فعلاً؟ وللذين ألغوها في تلك السنوات: هل يمكنهم إعطاء سبب منطقي لذلك؟ إن أوروبا ما بعد الحداثة، وما بعد مجتمع الفرد، وتقديس الحرية ونبذ النقد، ما زالت تنتج، وباستمرار، أسماء عظيمة من الفلاسفة والمفكرين، وأهل المنطق وعلماء اللغة، فماذا أنتج العرب في هذا المجال، خلال النصف قرن الماضي، يا ترى، وبعد أن تم إلغاء وتحييد أعظم العلوم؟.

Email