التكايا في الأدب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتفي الأدب بالمكان بوصفه بيئة وعنصراً سردياً في غاية الضرورة، وتحضرني التكايا بوصفها أحد الأمكنة التي ارتبطت بأدب نجيب محفوظ، وحتى به هو بعد وفاته. ولعل من أكثر الأعمال الروائية التي تردد فيها مصطلح التكية كانت رواية «قواعد العشق الأربعون» للتركية ألف شافاق، بالرغم من أن المتصوف الكبير جلال الدين الرومي لم يقم في تكية ولم يدخلها أو يذكرها في كتبه وأشعاره ومؤلفاته، فالرومي كان من كبار العلماء، وكان ينتمي لأسرة غنية ومعروفة، قبل أن يترك كل هذا وينغمس في حياة التصوف والزهد بتأثير شمس الدين التبريزي.

التكايا التي تكاثرت وكانت لها حرمتها ومكانتها وممنوع المساس بها، ظهرت مع العثمانيين، بوصفها مأوى للدراويش وطلاب العلم، وسكناً ومقراً لتلقي العلم، ومن إحدى تلك التكايا انطلق القطب الروحي شمس الدين التبريزي إلى قونية، وفيها التقى صديقه المتصوف والعالم جلال الدين الرومي، الذي شكل معه ثنائياً، وكان لهما أثر كبير في التصوف.

وفي آخر زيارة لي الشهر الفائت للقاهرة ذهبت لزيارة متحف الروائي الكبير نجيب محفوظ في منطقة الحسين، وقد كتب على واجهة المتحف أنه كان فيما سبق تكية تعود لأحد الأعيان يدعى محمد بك أبوالدهب، يعود زمن إنشائها إلى 700 عام تقريباً.

والتكايا تقليد انتقل إلى مصر من الأتراك زمن العثمانيين بلا شك، وقد وجدنا لها أثراً واضحاً في رواية الحرافيش الشهيرة لنجيب محفوظ، وكانت التكايا في مصر مخصصة للدراويش، وتتبع في إدارتها والإنفاق عليها للأزهر.

والتكية هي مكان إقامة المتصوفة المنقطعين للتأمل والعبادة، وهي في مجملها «بيوت للعبادة»، يسكنها الدراويش، ويعتمدون في معيشتهم على أوقاف تخصصها الدولة لذلك، وكان يبنيها الأغنياء ويخصصونها كنوع من الوقف، ويخصصون لها أموالاً ثابتة تنفق عليها كما يفعلون مع المساجد كنوع من أعمال البر والإحسان، يستفيد من خدماتها المجانية الفقراء وعابرو السبيل للمبيت والمأكل والمشرب، وكأنها خانات مجانية على الطريق.

ليس هناك من تكايا اليوم اللهم إلا تلك التي بقيت من آثار الدولة العثمانية، وقد تم الاحتفاظ بها لأسباب تاريخية ومعنوية صرفة؛ نظراً لجمال هندستها وزخرفتها، كما في مصر.

 

Email