حكاياتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدى كل إنسان قصة عن نفسه، يرويها غالباً لأصدقائه والمحيطين به، ولو استمعنا لأصحاب القصص وهم يروونها، أو لو حاولنا النظر في المرآة، ونحن نقص بدورنا مثل هذه القصص، لتأكدنا من أنه لولا هذه القصص لكان من الصعب الاستمرار، واحتمال ظروف الحياة والأشخاص، الذين يعيشون معهم. إن هذه القصص تمنحنا تلك الرغبة في الاستمرار، ومواصلة الحكي عن الشخص، الذي نروي حكايته، الشخص الذي هو نحن في الحقيقة، ولكن بالصورة التي رسمناها كما نوده أن يكون، وأن يراه الآخرون.

هل معنى هذا أننا نختلق حكايات لا أساس لها من الواقع ؟ هل نكذب ؟ في الحقيقة نحن وغيرنا لا نعتقد أبداً بأننا نكذب، فأول شرط للمثابرة والتمسك بنفس القصة كل يوم هو أن نؤمن بقصتنا ! كل ما في الأمر أننا نستسلم لخداع الذاكرة كثيراً، بكل صور الذاكرة وأوهامها ومبالغاتها وادعاءاتها.

والحق فإن الناس لا يعيشون بلا قصص، لأنها أشبه بالجسور، التي يعبرونها لحياة وقلوب وعقول الآخرين، قصص الطفولة، والكفاح، التفوق، والأصحاب! مواقفنا، ومبادئنا، قصص تتفرع من الجذر ذاته.

غالباً ما لا نراجع قصتنا التي نرويها، لا ننظر جيداً إلى ثغراتها، لا نسأل عما إذا كان الآخرون يحبون أن يستمعوا إليها أم لا، لا نتأمل الحدود الفاصلة بين الحقيقة والوهم أو الخيال فيها، فهل يفعل الجميع ذلك؟ حتماً يفعلون، فالإنسان في نهاية الأمر ليس سوى مجموعة قصص عاشها واحتفظ بها، وبعد زمن صار يحكيها كما صورت له ذاكرته، تلك الذاكرة المخاتلة والخادعة، والشبيهة بمتاهة المرايا.

إننا نحكي قصة حياتنا في ثاني لقاء يجمعنا بشخص ما، مباشرة، لأنها من طرق التعريف بالذات، وكسب الآخر والتأثير فيه، فالناس تتأثر وتصدق الحكايات التي حدثت في الماضي، لذلك يقول النقاد إن الذين يكتبون سيرتهم الذاتية إنما يستعيرون تقنية السرد الروائي، لأن السيرة هي شكل من أشكال الرواية، بطلها شخص معروف.

Email