ورطة الكتابة اليومية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يملك صديق مخلص، سوى أن يقول لك «الله يعينك، قلبي معك، الكتابة اليومية ليست أمراً سهلاً»، وتحديداً عندما تشكو له ورطتك مع الكتابة اليومية، خاصة حين تجد نفسك تتخبط في فراغ تام، يحيط بك كصحراء جليدية فاغرة فاها، بينما أنت تفتش عن فكرة تصلح لمقال تقدمه للجريدة.

أنت تعرف جيداً أن الصحافة عمل جماعي، ومقال صغير جداً، لا يتجاوز الـ 250 كلمة، يمكنه أن يعطل صحيفة بكاملها، إذا تأخر موعد تسليمه عن الوقت المحدد. ولو كان الأمر بيدك، لامتلكت خزاناً من الأفكار الصالحة للكتابة، كي تنجو من مشاعر العجز تلك، فلا أحد غيرك يعرف على وجه اليقين، معنى أن تجلس أمام جهاز كمبيوترك، ممتلئاً بالعجز، وفارغاً من أية فكرة! إنه أمر ليس من السهل الاعتراف به، لكنني ها أنذا اعترف، كما اعترف قبلي كثير من الكتّاب وقعوا في هذه الورطة!

إن الكتابة اليومية مغامرة ذات وهج حقيقي بلا شك، لكن ممارستها ورطة حقيقية كذلك، وهي ورطة ليست لذيذة ولا هم يحزنون، إنها ورطة وكفى. فماذا يعني أن تكتب مقالاً كل يوم؟ يعني أن تقتطع جزءاً من دماغك كل يوم، لتحوله إلى فكرة، تعجنها عبر اللغة، لتختمر وتصبح رغيفاً ساخناً في صباح اليوم التالي، يتناوله الناس مع فنجان قهوتهم!

ماذا يعني أن يكون عملك طوال الوقت، هو أن تطارد الأفكار وقاموس اللغة، بينما تطاردك أشباح كثيرة، هل هذه ورطة لذيذة؟ معاذ الله!

سافر أنيس منصور، رحمه الله، لحضور مهرجان طشقند السينمائي، وكان يومها كاتب مقال يومي في الشرق الأوسط، ومنذ الصباح، انتابته تلك الحالة من القلق، التي يعرفها كتّاب المقالات اليومية، ظل يدرع الغرفة جيئة وذهاباً، يعاني هواجس مغص وصداع غير موجودين أصلاً، كان ينظر من النافذة طيلة الوقت، يطارد فكرة مقال يكتبه للغد، لكنه لم يعثر على شيء. وفي اليوم التالي، ظهر مقال أنيس منصور، يحمل عنوان «حين لم أجد ما أكتبه»!

 

Email