الضحك والأصدقاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأدب الروسي، الذي تَفتَحت عليه مراهَقتنا المبكرة، اعتمدت الروايات العظيمة فيه دائماً على منطق التحدي والتشابك مع الحياة، وكانت علاقات الصداقة، التي تربط الأبطال هي الأداة، التي يواجه بها هؤلاء شراسة الوجود والصراعات، التي تحفل بها الحياة القاسية، التي كانوا يواجهونها متسلحين بأصدقائهم دائماً. كان الصديق في تلك الروايات على استعداد للموت لأجل صديقه!

وكما المجتمع الروسي، فإن مجتمعات إنسانية كثيرة كانت تمجد الوفاء للصداقة، كما تمجد الشجاعة والكرم و.. إلخ، وكان الرجال يمجدون الصداقة، التي تربط بينهم ويولونها اهتماماً خاصاً، بل إن الرجل يقضي بصحبة أصدقائه أكثر مما يقضيه مع أسرته وزوجته، وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن الرجال صنائع صداقاتهم أكثر من كونهم تربية أمهاتهم.

إن الصداقة للرجل وللمرأة وحتى الطفل، احتياج لا غنى عنه، وهو بالنسبة للرجال والنساء سجل حياة، يظل حافلاً بملفات تحتفظ في داخلها بالكثير من الأسرار، التي تبقى طي الكتمان، وغير قابلة للكشف أبداً، فبالنسبة لأسرار الصداقات القديمة لا وجود لقانون رفع السرية عنها، ولا سطوة للزمن عليها!

يلفت نظري سلوك ثابت، يلقي بأثره البديع على الأصدقاء والأشخاص المقربين جداً من بعضهم البعض، ذلك هو الضحك، إن أكثر ما تتصف به الأوقات بينهم أنها ممتلئة بالضحك، لذلك فحين يتجاوزون سن الشباب يصبح أكثر ما يستذكرونه من أيامهم تلك الأوقات الجميلة العابقة بالضحك، الضحك الذي كان بلا حدود، الضحك للمتعة والتخفف من الأعباء والمضايقات والحرمان.

كتب أحدهم لصديقه: هل تعرف لماذا اعتبرتك صديقي دائماً؟ لأنك حين عبرت باب حياتي، كنت يومها كمن حكم عليه بالعيش داخل قبو، فحضرت لتكون النور الذي كنت بانتظار أن ينسكب بعناية في حياتي فينقذني، لقد شاركتني المزاح قبل الجد، وضحكنا ملء الفضاء على كل شيء، إنك أكثر الناس معرفة بمزاجي، بأخطائي وفضائلي، إن كانت لي فضائل، وكنت مستعداً للتضحية من أجلي. كانت لك دائماً طريقتك في التضحية، كما كانت لي طريقتي في ارتكاب الحماقات!

Email