في مديح الكتابة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«في أحد اللقاءات ذكرت أنك «لا تؤمنين بالكتابة من أجل الكتابة»، هل على الكتابة دائماً أن تحمل هدفاً معيناً أو رسالة، من وجهة نظرك؟ كان هذا سؤالاً وجهته لي مذيعة أحد اللقاءات التلفزيونية مؤخراً.

شخصياً تستهويني الأحاديث التي تدور في فلك الكتابة، لأنها تجعلني أستنفر ذاكرتي وتاريخ القراءة الذي تراكم في داخلي عبر سنوات طويلة، وفيما يخص هذا السؤال تحديداً، فإنني بالفعل لا أؤمن بأي عمل بلا هدف أو غاية، فما بالنا بالكتابة؟ لقد اخترع الإنسان الكتابة ليتمكن من التواصل مع غيره، وليوثق إنجازاته ويكتب تاريخه ومن ثم يتركه إرثاً خالداً لمن سيأتي من بعده.

ولتحقيق هذا الاختراع احتاج الإنسان لأن يعرف اللغة، ويبتكر الرموز والأشكال والرسوم ليطور حروفاً يخطها فيقرأها الآخرون، ومن ثم عبر بأصابعه جدران الكهوف وجلود الحيوانات وأحجار الأرض وألواح الطين كي يثبت ما يريد قوله، قبل أن يصل إلى سر الورق والحبر ويكتب على ورق الأوراق، أو يمكن أن نكتب بعد كل هذا التاريخ كتابة بلا هدف؟

يقول أحدهم نعم يمكن أن يكتب الإنسان بلا هدف، كأن نكتب لأنفسنا أو ليطور ملكة الكتابة لديه! إذن فهناك هدف، إن الطفل الذي يخربش على جدران البيت وتتركه أمه يفعل، إنما يدرب أصابعه على الإمساك بالقلم ورسم الخطوط بحرية، إن علينا أن نكون ممتنين فحتى وإن كنا نكتب لأن الكتابة هي كل ما نجيد فعله في هذه الحياة، فليس هناك أعظم من أن تجيد الكتابة وتكون حراً وقادراً على ممارستها وقتما تشاء، تلك نعمة يغبطك عليها كثيرون.

لو لم تكن الكتابة نعمة وشرفاً وموهبة وعطاء حقيقياً، لما سعى ملايين الناس لتعلم فنونها، لما أنشئت المدارس والأكاديميات ونظمت الفصول والدورات والورش لتعلم الكتابة، ولما أصبح للكتابة جوائز ورموز وعظماء، ولما كانت المكتبات وعدد الكتب ودور النشر والكتاب في العالم أكثر من محلات البقالة والأسواق، ولما يعول كثيرون لأن يكونوا كتاباً حتى وهم ليسوا كذلك!

 

Email