تربية الرأي والاختيار

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تتعلم كيف تختار لنفسك شيئاً من احتياجاتك، هدفاً من أهداف حياتك، هواية تحبها، طريقة تفتنك لقضاء أوقات الفراغ والمتعة، صديقاً جيداً، اتجاهاً تعليمياً سيقرر تخصصك الدراسي، وبالتالي الوظيفة أو المهنة التي ستشكل عمود حياتك الفقري، هويتك العامة، التي تقدم بها نفسك للآخرين: الطريقة التي تتحدث بها، نوع ثيابك، ألوانك، تفضيلاتك فيما يخص الأطعمة والمطاعم التي ترتادها، والبلدان التي ترحب بزيارتها، وماذا تفضل أن تفعل حين تزور بلداً لأول مرة !

كل هذه الأمور تدخل في إطار ما نتعلمه ونتربى عليه داخل أسرنا، وما نطوره فينا لاحقاً حينما نكبر وتنضج خياراتنا بالمعارف والتجارب، لكن السؤال الأهم هنا هو: كيف نتعلم أن نختار؟ كيف ننجح في تكوين حسن اختيار جيد وناجح ؟ إلى متى نظل خاضعين لأمهاتنا وآبائنا في اختيار موضة ثيابنا ومدارسنا، وألوان غرف نومنا وأصدقائنا وحتى الصور التي علينا التقاطها أو تجاهلها في أسفارنا ؟

متى يتكون وعي الاختيار عند الإنسان ؟ متى يجب أن يترك الأهل أبناءهم يختارون ما يخصهم، بينما يقفون هم بعيداً يرقبون ويلاحظون ويتدخلون عند الضرورة فقط وفيما إذا طلب الأبناء المساعدة فقط ؟

لذلك حين يكبر أبناؤنا لا يجيدون التعبير عن أنفسهم، يخفقون كثيراً في اختيار أصدقاء جيدين، ويفشلون في اتخاذ مواقف إزاء الكثير من الظواهر والمواقف في الحياة مما يتوجب أن يكون لهم موقف ورأي فيها بحسب أعمارهم وتوجهات جيلهم، فما السبب ؟

لأن الاختيار وعي، والوعي يتأسس بالتربية والتراكم الطويل، وينبني بتعدد وتكرار المواقف وبالتجربة والخطأ، ونحن نحرص على أن نلبي احتياجاتهم على طريقتنا، لكننا لا نمنحهم فرصة لتأسيس ذائقة وحس اختيار قائم على الوعي لا على تقليد الآخرين، ومضاهاة السائد وتلبية الرغبات الاستهلاكية.

إن تربية الاختيار لدى الأبناء من أهم وأخطر التوجهات والمهارات السلوكية، التي يهمل الوالدان في الأسرة العربية كما في المدارس تربيتها وغرسها وتقويتها في سلوك الأبناء، لذلك تتحول حياة معظم الناس لاحقاً إلى سلسلة قرارات عشوائية ومترددة وفاشلة.

Email