مجتمعات الوحدة

مجتمعات اليوم مجتمعات ذات خصائص مختلفة تماماً عما عاشته الأجيال السابقة، مختلفة في طبائع الناس وسلوكياتهم وانفعالاتهم وعلاقاتهم ومهنهم، واهتماماتهم وطرائق تفكيرهم وحتى في احتياجاتهم ورغباتهم، وفي الطريقة التي يلبون بها هذه الاحتياجات أو الشكل الذي يعبرون به عنها.

في مدن الحداثة، التي تسير بشكل متسارع نحو الغرائبية ومستويات الحياة الموازية والوجود ثلاثي أو حتى رباعي الأبعاد، لم تعد المشاعر والقيم والروحانيات هي المرجعيات التي يحتكم لها الناس، بعد أن استسلموا تماماً لبرامج الذكاء الاصطناعي، التي تتحكم فيهم وتلبي متطلباتهم، فبعد أن كانت هواتفهم ذكية، ثم بيوتهم وسياراتهم.. أصبحت حركتهم منذ أن يفتحوا أعينهم حتى يناموا ثانية محكومة ببرمجة محددة، وفق نظام تحكم ومساعدة إلكترونية.

في اليابان، في بعض المدن الصينية، أو في بعض دول اسكندنافيا، هناك تنتشر سريعاً تلك التطبيقات الذكية، التي يتعامل معها الإنسان منذ أن يصحو، فبواسطة التطبيق يعرف كل ما يريد: حالة الطقس، أسعار الخضار والفواكه، ماذا ينقصه في ثلاجة المطبخ، وبواسطة التطبيق يحجز مطعمه للعشاء، وتذاكر السينما، والمسرح، ويحدد الشخص الذي سيسهر معه، والثياب الأنسب، الذي عليه أن يرتديها للسهرة، هذا التطبيق الذي هو مجرد صوت أنثوي سيتحول مع الزمن إلى ما يشبه الصديق أو المؤنس!

العلاقة بالآلة، أو بالنظام الذكي، الذي يفترض به أن يساعدك، فيتحول إلى وسيلة للتحكم بك، ثم تتحول العلاقة من مجرد استعانة إلى اعتماد كامل يصل كما في الفيلم إلى تعلق وحب كما في فيلم (Her)، فـ(ثيودور تومبلي) كاتب انطوائي، يشتري نظام ذكاء اصطناعي لمساعدته على الكتابة، ومع الوقت يعتاد عليه، ويأنس للصوت وعندما يكتشف قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم والتكيف، يقع في حب ذلك الصوت !

إنها آفة مجتمعات الاستهلاك القائمة على الفردانية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حتى وصل الأمر في اليابان مثلا (استئجار الأصدقاء) فالشخص ولأنه وحيد يقوم باستئجار شخص بالساعة، للخروج معه وقضاء وقت ممتع، يكسر به سأم الوحدة وبلادة الوقت!

 

الأكثر مشاركة