الذين يقرأوننا كل يوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

القراء كما عرفتهم من خلال مقالي اليومي، نوعان: قراء مداومون وقراء يقرأون حسب الظروف، القارئ المخلص للمقال وكاتبه، لا يفوت مقالاً لا يقرأه، وعادة ما يرتبط بالكاتب بشكل ما من أشكال العلاقات القائمة على الاحترام والإعجاب، يجتهد وبإصرار ليمد جسراً من التواصل مع كاتبه عبر الرسائل والمكالمات وطرح الأسئلة وتبادل الأفكار، فيتحول الكاتب من كونه فكرة مجردة أو ضبابية أحياناً، تحيل للحكمة والثقافة والمعرفة، إلى شخص في المتناول يمكن التحدث معه واتخاذه صديقاً إن أمكن.

أعرف قراء مخلصين كثراً، تمتد علاقتهم بالمقال لسنوات طويلة، بعضهم أعرفه شخصياً منذ بدايات الكتابة، وبعضهم عرفته متأخراً بعض الشيء، إلا أنهم صاروا مؤشراً حقيقياً أعرف وقع مقالي من خلالهم، فهم يبدؤون صباحهم به إن كانوا موظفين أو ربات بيوت، أسمي هؤلاء قراء الأبجديات الصباحيين، وعادة ما تمنحني كلماتهم عن المقال أو تعليقاتهم ذلك الدافع الخفي لأعيد قراءته كقارئ لا علاقة لي بالمقال وكأني لست من كتبه. أشعر بأن هؤلاء القراء المخلصين فعلاً هم أصدقاء يعرفونني جيداً من خلال نبض المقال اليومي، فأنا أضع جزءاً مني كل يوم في المقال الذي أكتبه، لهؤلاء أسجل امتناني كل يوم وشكري لأنهم يتكبدون عناءً حقيقياً ولكنهم مستمرون، يذكرونني بمواليد برج الحوت الثابتين الذين لا يتغيرون.

وهناك قراء يقرأون المقال ولكن ليس بشكل منتظم، فقد يقرأونه لأشهر طويلة ثم ينقطعون عن قراءته لسبب أو لآخر، لكنهم يعودون ثانية، وإذا التقوا بك في مكان عام جاؤوك مهللين فرحين بلقائك يحدثونك عن كتاباتك وكأنهم بالكاد أنهوا قراءة آخر مقال لك، بينما أنت تعلم أنهم لم يقرأوك منذ فترة طويلة، لكن تلك القراءات القديمة منحتهم تلك الصلة بك، وهؤلاء يستحقون الشكر أيضاً، فدافعهم للقراءة لا يزال موجوداً، يكفي أنهم يعتبرونك كاتباً مجيداً ومجتهداً.

وهكذا فكل القراء مقدّرون، فلولاهم ما كانت الكتابة، إنهم يقفون هناك في الجانب الآخر من الجسر قريبين جداً، إنهم جزء من تاريخ كتابتك.

Email