إعلان حب

يقول شاعر داغستان الشهير رسول حمزاتوف: أريد إعلان حبي لتلك البلاد التي يعيش أهلها بسلام ودفء، والتي يبدأ نشيدها الوطني بجملة (الحب.. أعلى المفاهيم على الأرض)، ومثله كثيرون يعلنون حبهم كل يوم، وحنينهم لمثل هذه البلاد التي يعيش أهلها بدفء وسلام، لسكان الجبال والقرى البعيدة المندسة في الوديان والمعلقة على قمم جبال شاهقة، أعلن حبي وحنيني الدائم مثل الشاعر العظيم حمزاتوف وأشتهي لو أعيش معهم زمناً.

يتغنى الناس بالبساطة والجمال حين يزورون تلك البلاد ويغرقون في عبق التفاصيل الصغيرة، القديمة، والتي تقطر ذاكرة وهوية، كما يرنون ببصرهم لبلاد ظلت لأزمنة طويلة لا يعرف أحد عنها شيئاً، ولا يسمع أحد عن أهلها خبراً، أي خبر، كانت كنسيٍ منسياً، لم يفكر أحد للحظة كيف عاش أهلها في غياهب الماضي، وماذا كانوا يعانون وبم كانوا يحلمون؟

وبلاد رزحت تحت الاحتلالات والحكومات الشمولية والدموية، فناضل أهلها طويلاً، ودفعوا أثماناً باهظةً في سبيل أن يقفوا منتصبي القامة تحت سماء حرة، ثم ليحظوا بالرفاهية والراحة، وحين انتزعوا حريتهم من فم الأسد وقفوا تحت تلك السماء الصافية وغنوا (الحب أعلى المفاهيم على الأرض) فلولا الحب ما اندفع الرجال في سهول جليدية يقارعون الموت لأجل حياة حرة، لولا حب الحياة وحب الكرامة!

وفي كل صباح وأنا أجلس في شرفة المنزل المطل على جبال تعلوها قمم مكللة بالثلوج، حيث أقضي إجازتي في إحدى قرى جبال الألب، أنظر إلى تلك المرأة المتقدمة في العمر، تمشي بثقة لا تخلو من وهن، تحث خطاها صوب المقهى، حيث تعمل نادلة هناك، أتساءل أتفكر هذه السيدة فيما يحصل في العالم حولنا، أتفكر في الحرب الأوكرانية الروسية وفي أزمة الغاز وحرية الصحافة وداعش والإرهاب و… وأنظر إليها، فأجدها وكأنها لا علم لها بكل هذا الطوفان المعقد من المآسي، وأنظر يميناً وشمالاً متأملة هذه الطبيعة الباذخة حولها، وأقول كما قال شاعر داغستان: (إني أريد أن أعلن حبي لأهل هذه القرية المسالمة).

 

الأكثر مشاركة