المرأتان!

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختلاف السمات الشخصية والأفكار والسلوكيات بين الناس أمر بديهي جداً، فحتى الإخوة في البيت الواحد مختلفون في العديد من السلوكيات والتصرفات، وأحياناً الأخلاق والقناعات.

ذلك أن الذي يصبُّ في أذهاننا ويشكّلنا ليس والدينا فقط، وليس المنزل الذي يشهد مسقط رأسنا وفيه تتفتح أزهار أيامنا، لكنه مجمل البيئة المحيطة بنا، التي نتحرك فيها ونتنقل بين عوالمها وفي فضائها الواسع. مع ذلك، فبقدر ما يكون الاختلاف عامل فرقة وصراع أحياناً، إلا أنه قد يكون سبباً في التقاء الناس وتعارفهم وعقد صداقات بينهم، ولقد عرفت إحدى جارات والدتي، التي كانت على الرغم من لطفها وخفّة ظلها وجمال روحها، ثرثارة ومتطلبة وكثيرة الشكوى، كما تعاني وسواساً قهرياً يجعلها ترتجف من ذكر المرض والمرضى، لذلك لم تكن تحب زيارة صديقاتها عندما يمرضن، وكان هذا سبباً في الجفاء بينها وبين بعضهن.

أتذكر أيضاً أنها كانت محبة للبهرجة، وكانت على طول الخط في اتجاه معاكس لوالدتي، شديدة التحفظ في كل أمر، ومع ذلك فقد كانت المرأتان على اتصال مستمر وزيارات لا تنقطع، وكانت والدتي تحب التودد إليها، وتقديم أي خدمة تحتاجها تلك الجارة اللطيفة، فقد كانت تعيش وحيدة في منزلها مع ولدها الوحيد، الذي كان يغيب معظم الأوقات عن المنزل.

حين تزورنا، أجلس لأراقب سلوك المرأتين: والدتي وجارتها، فأجد التناقض واضحاً وحقيقياً بينهما، وأعجب كيف تحافظان على تواصلهما على الرغم من أن جمل الحديث بينهما لا تكتمل، فلا طلبات الجارة تجاب، ولا فتاوى والدتي مرحب بها، الجارة تريد الاستماع إلى نجاة الصغيرة، ووالدتي لا تستسيغ الغناء، وهي إذ تحضر تثير زوبعة من الضجيج، بينما تأتي والدتي من غرفتها محفوفة دوماً بوقار لا يفارقها.

تسألني عن أغاني ميحد حمد، وصباح، وعن أفلام فاتن حمامة، وحسن يوسف، فأقول لها هذه أمور عفى عليها الزمن، تصرُّ على أن هذا هو الفن الجميل، بينما تنظر أمي بسخرية، رافضة كل الحديث الدائر، الحديث الذي لا يكتمل بين المرأتين هو ما يجعل الصداقة مستمرة، ذلك أن كل مكتمل يسرع حثيثاً نحو النهاية!

 

Email