كيف نختلف؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألني قارئ مشاكس قليلاً، وأحياناً كثيراً، ما سبب إصرارك على أهمية الاختلاف؟ وأكمل: ألا يقود ذلك إلى الفوضى والبلبلة، ويدخل الناس في متاهات الشك والقلق، والعداءات والخلافات!

ذكَّرته منذ البداية، وقبل الخوض في الحديث، بالفرق بين الخلاف والاختلاف، ثم بدأ الحوار الذي طال قليلاً، لكنه بقي هادئاً، أظهر فيه القارئ الكثير من الاهتمام والإصغاء، وعادة الناس عندنا أنهم لا يصغون لبعضهم، ويظل الواحد منهم يقاطع محدثه، فلا ذاك يكمل فكرته، ولا هذا يصل إلى نتيجة!

عملياً، وسعياً للدقة، فإن الاختلاف أمر محمود، يستخدم للدلالة على التنوع والتعدد، وتقارب الأفكار أو رفضها، أي تدافع أصحابها لعرضها، وإقناع الآخرين بها، بطرح الحجج والبراهين، وهذا ما يحدث بين العلماء والفقهاء والمحللين السياسيين، ومناصري بعض القضايا والسياسات أو معارضيها، أما الخلاف، فيكون عندما يتحول اختلاف الآراء إلى نزاع وعداء، والدخول في طريق الاتهامات والشتائم والسباب! وأحياناً يكون الخلاف على مصالح وحقوق، و.. إلخ.

بطبيعة الحال، نحن نتحدث عن الاختلاف.. عن ضرورة أن يتمتع الفرد منذ نعومة أظفاره باستقلاليته، وقدرته على تكوين رأي مستقل، وتقييم خاص للموضوعات التي تطرح أمامه، وفي تدريب الفرد على تكوين رأيه الخاص، هناك قاعدتان: أن يتعلم آليات تكوين الرأي بالأدلة والبراهين العقلية، والقراءات والاستنتاجات، وهذا يقودنا إلى أن نشير لدور المدرسة والمعلم في هذا البناء المهم.

أما القاعدة الثانية فهي طريقة إبداء الرأي، وكيفية أن نختلف مع الآخرين، وهنا يأتي الحوار بالكلمة الهادئة والمتعقلة، والبعد عن الدخول في المهاترات والشتائم والاتهامات وشخصنة المسائل، من هنا، نقول إن تربية الاختلاف على أسس موضوعية وعقلانية، قضية في غاية الأهمية، خاصة في زماننا هذا، حيث تروج الشائعات، وتكثر الأخبار والآراء الزائفة والمغلوطة، في ظل انفجار ثورة التقنية ووسائل التواصل!

أن تتمكن من تكوين رأي مستقل وتدافع عنه، أمر في غاية الأهمية، ولكن من المهم كذلك، أن تتمهل وتفكر جيداً، قبل أن تصدق أي خبر يتم تناقله، أو يرسل إليك عبر قنوات التواصل والمعرفة، أياً كان من يرسله لك، تفنيد الآراء مهارة، نحتاج إليها جميعاً.

Email