فكيف تحتمل؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألم يطرح عليك أصدقاؤك أو حتى زملاؤك في العمل، ذلك السؤال (كيف تحتمل كل ما تمر به بكل هذا الهدوء، من أين تأتي ببرودة الأعصاب؟) والذي يفصح عن حسد ربما، أو استغراب.

وإعلان فشل من الجانب الآخر في التعامل مع ظروف الحياة الصعبة. فبماذا تجيبهم؟ ألا تجد نفسك ما أن تسمعه أمام أمرين غالباً؟ تبتسم أو تضحك بصوت مسموع كأنك تقول بشكل آخر هكذا أحتمل الحياة، بينما تهمس بينك وبين نفسك: ليتهم يدركون الحقيقة! لقد تربينا على أيدي سيدات حكيمات، عركن الحياة وعركتهن، واحتملن الكثير وصبرن، وعبرن صراط المصاعب والتحديات بنجاح، هؤلاء منحننا الكثير من الأسرار، ليس على طريقة النصائح والأوامر وافعل ولا تفعل، ولكن بالمعاينة المباشرة، بالتجربة، بالمشاهدات اليومية التي كانت عيوننا وحواسنا تتفتح عليها مكونة لنا خزاناً ومعيناً من التجارب.

هؤلاء اللواتي كنا نعرف مقدار ما يعانينه سراً خلف الأبواب، في الوقت الذي يظهرن أمام الآخرين مبتسمات، حافلات بالحياة وضاجات باللون والضحك دون شكوى أو تذمر و.. هؤلاء علمننا تلك الصلابة التي بقدر ما حفرت في داخلنا أنفاقاً بقدر ما منحتنا أذرعاً صلبة ومجاديف قوية لنعبر بحر الحياة بأمان.

كانت جدتي تردد دائماً (الناس عليها بالظاهر) أي أنهم يحكمون عليك من ظاهرك، فقدم لهم ما يجعلهم يعتقدونك قوياً صلباً مبتسماً وخالياً من الهموم، لا تطلعهم على مفاتيح ضعفك، اجعل تلك المفاتيح أسرارك ولا تلقها في أي مكان، أما والدتي فكانت تقول: الناس لا تترك أحداً في حال سبيله (فإن رأوك في خير حسدوك، وإن وجدوك في شر ضحكوا عليك) فلا تمنحهم الفرصتين واقتصد في إظهار حقيقتك في الحالتين: في العسر واليسر معاً، كي تجتنب شرورهم!

أما أنت فستظل على سذاجتك أحياناً برغم ما تقدمه لك الحياة من عبر، وستدرك في كل مرة تنسى فيها دروسك، تقتنع أنه كلما زاد العمر ازداد عدد الحمقى في حياتك، وأنك مهما حاولت سيعتبرك بعضهم أحمق كما لا تتصوّر! كما ستدرك أنه لا يوجد شخص مكتمل تضع فيه كل ثقتك، وأنك لو فعلت ذلك وخذلك لن يكون ذلك خطأه أبداً سيكون خطأك وحدك!

 

Email