من أين يأتي الفرح؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أين يأتي الفرح؟ هل يأتي من داخلنا، أم أنه كالمطر يهبط على أرواحنا من الخارج، من السماء، من الأرواح الجميلة التي تحيط بنا؟ سؤال لطالما أربكني: هل يفترض بالإنسان أن يكون سعيداً، وهو يمارس كل حياته، مع أسرته، أصدقائه، وهو مسافر، وهو يعمل..، أم أن الحياة والإنسان معاً يمكنهما المضي دون ذلك القدر من السعادة المتخيلة التي نحلم بها جميعاً؟

هل يمكن أن يفرح الإنسان منفرداً، أم أن الفرح سلوك إنساني يتطلب المشاركة، ويتعامل بحساسية عالية في علاقته بالخارج، فيعلو وينخفض ويزيد وينقص بحسب الظروف وأمزجة البشر؟

يقول لي أحدهم: إن فرح الإنسان يأتي من داخله دون حاجة للخارج، كنت أول من اعترض على هذا الرأي، فالفرح لا يأتي من الداخل، هو ليس مثل القناعة مثلاً أو مثل الإيمان، الفرح ليس قيمة أخلاقية، إنه سلوك وشعور إنساني له علاقة مباشرة بما يحدث حولنا، ومسؤوليتنا الأولى في الفرح هي مدى رغبتنا أو استعدادنا له، لأنك ما لم تكن مستعداً أو راغباً في البهجة فإنها لن تخترق قلباً يعلوه ضباب النكد والسلبية، إن الفرح لا ينبع من داخل الإنسان وحده، لأنه ببساطة سلوك يكرس الفكرة الجماعية والتشاركية، فالأصحاب والعائلة مثلاً يستمتعون بالطعام لأنهم يتشاركونه بالسفر والمشي معاً، وبشرب الشاي أو القهوة، لأنهم يجتمعون معاً ليس لأجل القهوة أو الشاي، ولكن من أجل متعة اللقاء وما يتركه في دواخلهم من شعور بالبهجة.

لا يمكن أن يمارس الإنسان فرحاً غامراً وبهجة ظاهرة وهو يعيش وحده، يسافر منفرداً ويسكن أكثر القصور فخامة وحده، لأن الإنسان كما قال ابن خلدون منذ قرون، كائن اجتماعي بالفطرة، ولذلك يتأثر استعداده للسعادة بما يحدث في الخارج، سواء كان هذا الخارج محيط العائلة أو الأصدقاء، أو حتى المحيط العام بما يحمله لنا وما ينقله لأسماعنا من صور وحكايات.

فمع أخبار القتل والزلازل وصور الكوارث والموت والقتل والتحرش والمضايقات و..، هل يمكن للإنسان أن يشعر بالسعادة وهو يعيش هذا الواقع؟ نتساءل ما الحل؟ هل الحل بالاستسلام للواقع لأنه واقع لا مجال لتغييره، أم بالانتصار عليه ولو بالحلم والهروب من كل ما يدفع للكآبة والحزن؟ وهل نقدر؟

Email