جارتنا اللطيفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقدر ما يشكل تناقض السمات والأفكار بين الناس عامل فرقة وعدم اتفاق، فإنه قد يكون سبباً في التقاء البعض وتقاربهم، ولقد عرفت إحدى جارات والدتي، وكانت رغم لطفها وخفة ظلها، سيدة ثرثارة ومتطلبة لكنها محبة للبهرجة والحياة، وكانت على طول الخط في اتجاه معاكس مع والدتي، ورغم كل ذلك فقد كانت المرأتان على اتصال دائم وزيارات لا تنقطع، فإذا غابت جارتنا عن زيارتنا طويلاً افتقدتها والدتي وذهبت تتفقدها!

كنت أرقب سلوك الجارتين كلما جلستا معاً محاطتين بـ(دلال القهوة والشاي) ودارت الفناجين وحضرت أطباق الطعام، فأجد تناقضاً حقيقياً بينهما، إحداهما محبة للطعام، تأكل بتلذذ غير مبالية بالتحفظات وتعليمات الطبيب، والأخرى تعد حبات التمر ولا تمرر سوى فنجان قهوة واحد إلى جوفها، دون أي إضافات أخرى خشية السكر وثورة الكولسترول، وبينما لا تتحدث والدتي كثيراً تحب جارتنا جلسة الثرثرة والنميمة وتسقط أخبار الجارات، فأعجب لهذه العلاقة كيف تستمر بهذه الانسيابية، لكنني أرجعها لنضج العمر والحكمة والاعتياد وحفظ حقوق الجيرة، لذلك أجد العلاقة بينهما من المفارقات اللطيفة في حياة والدتي!

كل جمل الحديث بينهما لا تكتمل أبداً، لا طلبات الجارة مستجابة خاصة فيما يتعلق بالغناء والطرب والنميمة، ولا فتاوى والدتي مرحب بها، فالحياة جميلة والله غفور رحيم تقول جارتنا، التي تعشق أغنيات فريد الأطرش وسميرة توفيق وفايزة أحمد، بينما تقول أمي بأن هذا لغو على الإنسان أن يبتعد عنه، هي التي عاشت في كنف والدي عقوداً طويلة لم يتوقف يوماً عن الاستماع لأغنيات أم كلثوم!

إن عدم اكتمال جمل الحديث بينهما، من وجهة نظري، هو السبب في استمرار الحديث متصلاً بينهما لسنوات، ذلك أن كل مكتمل يسرع حثيثاً نحو نهايته، وكلما اجتهد الناس في علاقاتهم بالتماهي والتشابه مع أصدقائهم وأحبتهم قادوا سفينة علاقتهم نحو المرفأ الخاطئ، ولقد فطنت الجارتان لذلك أو امتلكتا نوعاً من الشخصيات القوية التي لا تذوب في مياه الآخرين.

Email