الوقت يمرّ ويغيّرنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا الأجساد ولا الأفكار ولا العلاقات والأمكنة، وصولاً لأكبر الإمبراطوريات، لا شيء يعطب دفعة واحدة أو من تلقاء ذاته، يحدث التغير بشكل بطيء، ولأسباب غير مرئية غالباً، لكنه لا يحدث بلا سبب، لا يأوي إنسان لفراشه مساء، ثم يستيقظ في الصباح شخصاً آخر، هذا أمر منافٍ للمنطق، نحن كائنات عصية، لا ننكسر سريعاً أو دفعة واحدة برغم هشاشتنا، نحتاج لعوامل نحت قوية، حتى وإن كنا خلقنا من تراب.

وإن يجادلك أحدهم ناظراً إليك بتعجب، مُصراً على أنك قد تغيرت فجأة، تبدو فكرة بعيدة عن منطق التغيير وسيرورة الحياة، التغيير محكوم بالتدرج، هذا لا ينفي وجود أقدار مقدرة تصيب الإنسان في غمضة عين، فيصبح في حال بعد أن بات في حال آخر. نحن لا نناقش منطق القضاء والقدر هنا، وإنما ننظر في حالة التحول والتبدل، التي تصيبنا وكل ما حولنا، بسبب عوامل خارجية كثيرة أصعب من أن نحصيها ونعدها.

الإنسان أشبه بصخرة عصية ضربها العواصف والرياح طويلاً، وترتطم بها أمواج البحر ومياه الأمطار، وتبدلات الحرارة، ما يجعلها تتآكل، بل وقد تنهار.

ذاك أحد نواميس الكون، ينطبق على الصخور كما على الأجساد والقلوب والعلاقات، وما علينا سوى أن نحتاط ونحذر، فقد لا نتمكن من حفظ أجسادنا ضد قانون التقدم في العمر والشيخوخة والأمراض، وتآكل الذاكرة، لكن ربما أمكننا بوعي وبكثير من الاهتمام تجنب الإفراط في استهلاك أجسادنا وصحتنا، والحفاظ على صحة أجسادنا في عمر متقدم بأقل قدر من المعاناة. وكما نستهلك أجسادنا فنحن أيضاً نستهلك قلوبنا ومشاعرنا وأرواحنا، بتعريضها لضغوط كبيرة وجهد عالي المستوى وحرمان متعمد، بحيث نجعل رغباتنا واحتياجاتنا وأحلامنا في ذيل القائمة دائماً، لصالح الآخرين كل الآخرين، موهمين أنفسنا دوماً بأنه لا يزال هنالك متسع من الوقت، وبقية من العمر سنفعل فيه ما نحب.. وفي الحقيقة فإن ذاك الوقت المتسع ليس سوى وهم كبير، في موازاة قانون لا يُرى، لكنه قوي وثابت.

Email