ذاكرتنا.. كيف تعمل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذاكرة، كيف تعمل؟ مم تتكون؟ وهل يمكن الوثوق بها؟ من أكثر الأسئلة والموضوعات الصعبة والمثيرة للاهتمام، والتي استوقفت العلماء والأدباء والروائيين والأطباء النفسانيين، منذ عقود طويلة، ولا تزال، وهنا علينا أن نتفق على أمر قد يبدو للبعض مربكاً أو مرفوضاً كذلك يتعلق بمدى مصداقية الذاكرة، وأنها مخادعة ومتواطئة أحياناً، وها أنتم تتساءلون هل يمكن أن تخدعنا الذاكرة؟ نعم إنها تخدعنا دون أن ننتبه!

تتذكرون بلا شك تلك الجلسات اللطيفة الصاخبة، التي تجمعكم بإخوتكم أو بأصدقاء المدرسة، حينما تأخذون في استعادة الذكريات المشتركة بينكم، فتضحكون عالياً، ليبدأ أشدكم حماسة الحكاية (هل تذكرون ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه إلى …)، وتتوجه الأنظار إلى الذي يحكي ويفصل، ويسرد التفاصيل عن أسماء الشوارع التي قطعتموها، بعد أن هربتم من المدرسة، صديقكم الذي وقع أثناء قفزكم من فوق السور، المطعم الذي يقع في وسط السوق، والذي تغديتم فيه، ثم هربتم لأنكم لم تكونوا تملكون المال الكافي.. !

عندها يسكت بعضكم، بينما ينكر بعضكم حدوث القصة أصلاً، فيما يصر أحدكم على أن القصة لم تحدث بهذه الطريقة، ويبدأ الجدل والصراخ والنفي والتأكيد! والخلاصة هي أن الهروب قد حدث فعلاً، لكن التفاصيل كانت مختلفة، وبالرغم من كون الحادثة واحدة، وشخوصها حاضرين، إلا أن ذاكرة الراوي كانت انتقائية كثيراً، وغير دقيقة، وأحياناً بدت مضللة بشكل لم يتقبله الآخرون!

إن من يحكي ذاكرته باعتبارها حقيقة خالصة، فإنه غالباً ما يكون انتقائياً، يضيف ما يريحه ويحذف كل ما يؤذيه منها، ويسد الفراغات بقطع صغيرة، تستعيرها الذاكرة من حكايات أخرى، حدثت لآخرين أو ربما التقطها من فيلم هندي أو رواية !

الذاكرة مزيج من الحكايات أشبه بكتاب ألف ليلة وليلة، وكلنا شهرزاد نروي الذكريات، لننجو من سيف الحاضر أو لنرمم تلك الأيام البائسة، التي تعرضنا فيها للكثير من الإعطاب دون إرادتنا!

Email