التاريخ ضد التاريخ

في كتابه (ضد التاريخ)، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، (تجدونه كذلك على منصات بيع الكتب الإلكترونية)، يطرح الكاتب المصري مصطفى عبيد، عدة قضايا، تبدو للعقل العربي صعبة التفكيك أو شائكة، كسؤال: من كتب التاريخ الذي بين يدينا؟ ما درجة دقة هذا المكتوب؟ هل كل ما قرأناه ودرسناه كان صحيحاً، وحصل بالفعل بالطريقة التي قرأناها؟ كم رواية للتاريخ نفسه وللحادثة نفسها؟ ولماذا نثق بالمدونة التاريخية الغربية أكثر من العربية؟ هل هذه المصداقية في مكانها أم هي جزء من صورة نمطية، تحتاج إلى مراجعة عن مصداقية الغرب وموضوعيتهم وحياديتهم ودقتهم؟.

يتذكر الذين عاشوا زمن الراديو، وأيام الخلافات العربية العربية، والصراعات التي كانت تجتاح منطقتنا، يتذكرون أن العرب كانوا يستمعون إلى إذاعاتهم طيلة الوقت، لكنهم لا يصدقونها، فكانوا يبحثون بكل جهد، لالتقاط موجات الإذاعات الأجنبية، وتحديد صوت هيئة الإذاعة البريطانية، وإذاعة إسرائيل العربية! كانوا يقولون بأن أخبارهم أكثر دقة؟ هل صحيح أن أخبارهم كانت أكثر دقة فعلاً؟.

من يمتلك الحقيقة؟ ربما يكون السؤال الأكثر دقة: هل هناك طرف واحد يمتلك الحقيقة فعلاً؟ طرف ضالع في تحريك الأحداث أو التأثير في اللاعبين أو توجيههم مباشرة؟ وسؤال آخر محير: إذا كان الناس يذهبون للآخر، ليحصلوا على الخبر اليقين، بسبب انعدام الدقة وصعوبة الوصول للحقيقة، وتأخر آليات وسائل الإعلام والتواصل في تلك الأيام، فهل الانفجار المعرفي اليوم، وتطور وسائل التكنولوجيا، وسرعة الوصول للخبر عندنا، منحت أخبارنا مصداقية أكبر، ووسائلنا الموضوعية والمنهجية المفتقدة؟.

هل آن الأوان لتغيير هذا المنهج: منهج الرواية الوحيدة للتاريخ، أو قول ما حدث من وجهة نظر واحدة، فيما حدث على امتداد التاريخ، وسير الرموز والأبطال والمعارك، وبناء الدول والفتوحات والانتصارات والانقلابات و… أم سنظل محكومين بنفس وجهة النظر المتداولة، والتي نعيد إنتاجها بحثياً وروائياً وسينمائياً وصحافياً، ونسلم بها إلى الأبد، وكل من يرفع صوته بطلب التنقيب والمراجعة، يرمى بأبشع التهم؟؟.

الأكثر مشاركة