عائلتي السعيدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنه فيلم تفاصيل بامتياز، فيلم ذو مزاج شرقي وحميم، ولو شئنا التحيز لقلنا: إنه فيلم نسوي، يقتفي البساطة خيطاً خيطاً لينسج عوالمه: في البيت، في الشارع، في السلوكيات المجتمعية، في كشك بائع الصحف، في المطبخ والهواء العليل، في الشرفة، في جلسات النميمة النسائية، في البحث عن وتر جديد للكمان، في حركة الجدة سليطة اللسان، والحوارات في سوق الخضار، هذه التفاصيل البسيطة قد يراها البعض سبباً للملل في فيلم يفتقد الإثارة وتطور الأحداث !

بهدوء تتحرك منانا في المكان وعلى وجهها كل تعبيرات الحزن الصامت، مستنكرة كل ما يحدث حولها لكن دون أدنى رغبة في الحديث، بينما الجميع يتحلقون حول طاولة الطعام مبتهجين احتفالاً بعيد ميلادها، وحدها منانا ليست سعيدة أبداً، لا يشعر أحد بها ولا بغيابها، فتقف نائية بنفسها عنهم، متأملة، تطهو فكرة عصية على نار تفكير عميق، تنفذ دخان سيجارتها وفي داخلها تحتدم معركة وشيكة !

منانا هي الشخصية الرئيسة، امرأة في نهاية الأربعينيات، تعيش مع والديها وأسرتها في شقة متواضعة، تعمل منانا أستاذة أدب في مدرسة ثانوية، يدور بينها وبين إحدى طالباتها حديث عن الظروف، التي تجعل هذه الطالبة تتغيب كثيراً عن المدرسة، وفي حين أرادت منانا أن تنصح طالبتها بعدم تكرار ذلك، تخبرها الطالبة بأنها كانت تعاني مشكلة مع زوجها، الذي قررت الانفصال عنه رغم حبها له، مؤكدة أن «أي امرأة إذا اتخذت قراراً فعليها أن تنفذه دون تردد !».

هذه العبارة ستعجل باتخاذها قرار ترك العائلة واستئجار شقة لتعيش فيها وحدها؟ لكن لماذا ؟ لا سبب ظاهر لنا، سوى ذلك الانقلاب الذي يحصل داخل منانا نتيجة تراكمات طويلة، لم تحتمل منانا أن تبقى غريبة مختنقة، لا يشعر بها أحد، وأن تشارف حافة الاكتئاب، لذلك قررت أن تغادر وتعيش وحدها إلى حيث تقترب من نفسها وتنصت لصوتها، وترى كل شيء عبر مسافة مناسبة، لقد ابتسمت أخيراً بدلال واضح، ما يعني أن الحياة عادت لتورق فيها مجدداً !

Email