أحياناً كثيرة وفي بعض الأحيان!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بعض الأحيان عليك أن تتعامل مع المحيطين بك: زملائك وأصدقائك، إذا لزم الأمر، بدرجة أقل من المجاملات المرهقة، والحساسية الزائدة، والخوف من احتمال فقدانهم. بعض المواقف تحتاج أن تعامل البعض وكأنك تلتقيهم للمرة الأولى في موقف انتظار الحافلات، أو داخل قطار ستغادره أنت وهم بعد قليل، كلٌ إلى وجهته، وأن احتمال حدوث لقاء آخر بينكما لا تتعدى نسبته 10%.

في أحيانٍ كثيرة لا عليك إذا جُننت وقمت بأشياء خارج مدار العقل، الحياة العاقلة باردة جداً، الحياة العاقلة ناجحة وطيبة ومريحة، لكنها مملة، وهي ليست مضمونة على أية حال، وبما أنه لا شيء يبدو مضموناً في هذه الحياة، فإن قليلاً من الجنون قد يخرجك من الرتابة والبلادة والتأفف، والأهم أنه قد يخلّصك لبعض الوقت من الأشخاص الذين يدمنون ارتداء الأقنعة والقفازات طيلة الوقت!

في معظم الأحيان، نحن نصنّف الناس بعنصرية مقيتة، لكننا نجيد التلاعب بالتعبيرات كي نطمئن نفوسنا، فعوضاً عن الاعتراف بفوقيتنا، ندّعي بأننا لا نحب ذلك الزميل الذي يقاسمنا العمل بسبب ثقل طبعه، ولأن ذوقه في اختيار ثيابه سيّئ، إضافة إلى أنه لا يسافر، وهذا أمر يبدو غريباً بالنسبة إلينا، كما أن سيارته فاقعة اللون، وذات ماركة بائسة! لكن، هل تساءلنا عن الطريقة التي ينظر هو بها إلينا؟، كيف يفكر فينا؟، وفيما إذا كان ينظر إلينا ككائنات تافهة نضيّع الوقت وفرص الحياة العظيمة في اهتمامنا بـ «الأشياء السخيفة»، وأننا بدل أن ننظر لثقافته العالية، وإنجازاته العديدة، نفكر في مقارنات طفولية تتعلق بقميصه وربطة عنقه العجيبة، أو ماركة سيارته!

في بعض الأحيان، أفكر بأن الأشياء التي أتعلّق بها في الحياة تبدو لي محدودة جداً، وأنني تخلّصت فعلاً من ذلك الاستلاب تجاه الأشياء: المظاهر، الماركات، البذخ، الضجيج.. عندها أمتلئ بالبهجة فعلاً؛ لأن هذا هو قمة التجلّي لفكرة الاستغناء، لأن الاستغناء قوة.

Email