لا شيء يذهب هباء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أشخاص حولنا قد يكونون من أفراد الأسرة، من أصدقائنا، من العاملين في المنزل، أشخاص كثيرون يحيطون بنا، لا تغيب وجوه بعضهم ولا أسماؤهم عن خواطرنا، بعض هؤلاء دخل وخرج بينما بقي خيط رفيع من الذكريات يشدنا إليه، فيلوح وجهه أو كلماته كهدب يتطاير من ثوب الأيام كلما هبت رياح القلب وحركت البحيرات الراكدة، إنه واحد من أولئك الذين صنعوا علامة فارقة في حياتنا، وإنْ بكلمة.

هؤلاء الذين يمثلون حياة وتجربة حقيقية مرت بنا، حياة، رغم بساطتها وبساطة أصحابها، إلا أنك وأنت تتحدث إليهم وتجمعك المواقف بهم، تشعر أن الكلام الذي يتفوهون به على قلته، وردات الفعل على ندرتها، لم تأتِ من فراغ، بل وكأنها تنطلق من نظرية في الأخلاق والقيم والثقافة والتفكير. انتظر قليلاً ولا تسخر، فلست وحدك أيها المتعلم الكبير، وخريج أرقى الجامعات، من ينطلق من نظريات وأفكار وثقافة عالية، إن بسطاء الناس يمتلكون مثلما تملك، لكنهم لا يجيدون التعبير أحياناً!

فلو أننا لم نفرط في هذه الفضيلة الرائعة، فضيلة الإنصات لقلوبنا وقلوب ومنطق من حولنا، لانفتحت أمامنا أبواب لا نتخيل مدى الرحمة الساكنة خلفها، فعندما تصاب بالإنهاك التام، بسبب ضغوطات الحياة وأعبائها وصدماتها، سيبزغ لك من بين طبقات الغيوم الكثيفة ما لا تتوقع من الخير، وستتذكر ما وضعته ذات يوم في رصيد الأيام فعاد إليك مضاعفاً حين احتجت إليه!

إنها قناعة صحيحة مئة في المئة، تحدث عنها الروائي باولو كويللو في روايته «الظهير»، حين قال إننا حين نقدم مساعدات أو مؤازرة، أو نكون مع أشخاص معينين في مواقف هم يحتاجونها، فإننا نكون كمن يضع رصيداً في بنك الخدمات، وإن هذا الرصيد لا يضيع، لكنه يظل محفوظاً إلى حين، وهو ما يلتقي مع ما نؤمن به، نحن المسلمين، من فكرة أن الجزاء من صنف العمل، وأن العمل الطيب لا يضيع!

Email