هل يمكن ألا نكبر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحدث أن تعيش في زمان ومكان وعمر معين، يمر زمن طويل عليك وأنت هناك، ثم يحدث أن تنتقل، تغادر المكان، ولا تعود إليه نهائياً، تكبر في العمر، ويمضي بك الزمن، ويبعدك عن تلك الأيام، ثم، ولسبب ما، تعود فتجد المكان الذي تركته،أما أنت فقد كبرت، والأحوال حولك تغيرت، أما الناس فلم يعودوا كما كانوا، زلزال من التغييرات ضرب النفوس والقيم والقناعات، وأنت تتلفت باحثاً عن كل ما تركته، عندها يخيل إليك أن تترك المكان وتفر، كأنك دخلت بيتاً ليس لك، أو مكاناً لا يخصك!

تشعر أن ذاكرتك تؤلمك كثيراً، وحدك من يشعر بهذا الألم، لأنك وحدك من أقام في ذاك الزمان، أو عاش في ذلك المكان، يحدث ذلك، عندما تفارق أصحابك الذين كانوا جزءاً من حياة حافلة بالتفاصيل، كأصحاب المدرسة، زملاء العمل، جيرانك في الحي الذي غادرته منذ سنوات، فإذا بك أمامهم، تضرب على جبهتك، محاولاً تذكّر الأسماء، فتُفلح مع البعض، وتفشل مع البعض!

أو حين تجد بين يديك ظرفاً أرسله أحدهم، يحوي مجموعة من صورك مع أصحابك حين كنت في المرحلة الابتدائية، كل ما يبدر منك ساعتها، ابتسامة عريضة، ودهشة شاهقة، وعبارة متلعثمة (معقول.. أهذا أنا)!!

بعد قليل، ستتحول الدهشة إلى ظل غائم لحزن عميق، أو ربما أسى مختبئ، على العمر الذي ذهب، كيف ذهب، كيف كبر هؤلاء الذين كانوا في الصورة أطفالاً صغاراً، كيف حبست الصورة الصغار بكل هذه البراءة والطزاجة، ولم تستطع كل محاولاتك أن تحبس العمر أو البهجة أو البراءة فيك؟ لن تنكر أنك لم تحاول أن تكبر، أو لم تفكّر في هذه الفكرة المستحيلة، أو لم تسأل نفسك هذا السؤال، الذي يضحك الكثيرين، مع أنه يشكّل أقصى أمنياتهم، وأصعب أحلامهم: كيف يمكنني أن أظل صغيراً ولا أكبر؟.

إن عمليات التجميل والشد والنفخ والبوتكس والتنحيف والعقاقير والفيتامينات المكملة، ليست مجرد تجارة، فالإنسان لا يزال يبحث عن إجابة لسؤاله القدري الباحث عن الخلود: كيف يمكن ألا أكبر، وألا أموت؟.

Email