على ناصية الحلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد عمر من الأحلام ومحاولات تفسيرها، والركض وراء المفسرين، يجد بعضنا نفسه واقفاً حيال ظاهرة الحلم، يتساءل بحيرة: ما هو الحلم على وجه الدقة؟ كيف نحلم ومتى نفقد خيط الحلم؟ لماذا تكون الأحلام أضغاثاً متداخلة يستحيل تفسيرها لكثرة تفاصيلها وعدم ترابطها، بينما تغدو أحياناً متماسكة كقصة لا تريد أن تصحو منها؟

هل للحلم ضرورة جسدية أو نفسية معينة؟ لماذا يقول البعض بأنهم لا يحلمون أبداً، بينما يغرق آخرون في أحلام لا تنتهي؟ لقد قرأ كثيرون منا حول الأحلام ووظيفتها وتفسيراتها عند فرويد وعلماء التحليل النفسي، حيث اعتقد بعضهم أن الأحلام ليست أكثر من نشاط عشوائي للدماغ يحدث أثناء النوم، بينما ذهب فرويد إلى رأي مغاير تماماً.

يؤكد فرويد أن الأحلام يمكن أن تكشف عن أعمق رغبات الفرد وحاجاته اللاواعية، وأن الإنسان يخفي نزعاته ورغباته المزعجة وغير المقبولة عن طريق استبدالها بأشياء رمزية أكثر قبولاً تظهر في محتوى الأحلام.

مع ذلك، فهناك من يقلق، وهناك من يتوجس منها خِيفة، وهناك من يطمئن ويستبشر بأحلامه، وهناك من يؤمن بأنه ما أطال العمر حلماً ولا قصر بالأعمار قلة الحلم، إلا أن الحلم يبقى أحد أكثر الظواهر غموضاً، وأشدها احتواءً على الإشارات والدلالات والإحالات، وليس صحيحاً أنها مجرد نشاط ذهني عبثي لا معنى له.

أما بالنسبة للمبدع والشاعر والروائي، فإن الأحلام واحدة من روافد التجدد والتجديد، وإن من لا يحلم أو من لا يتذكر أحلامه أو من لا يملك شغفاً جارفاً بها، يكون الأقل سطوعاً وتميزاً في عالم الإبداع، فالمبدع شخص حالم بالضرورة، حالم بالتغيير وبعوالم وحيوات غير التي يعيش فيها ويعيشها، إنه أكبر الساعين للتغيير أياً كان الواقع صعباً ومستحيلاً!

على ناصية الحلم، قف وحارب كما يقول لك محمود درويش، حيث الحلم لا يموت ولا يتشظى ولا يُسرق إذا كان هناك من يحرسه ويدافع به عنه.

Email