الذاكرة الماكرة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لابد أن نصل ذات يوم لتلك السن التي يمكننا فيها أن نقيم حاجزاً عملياً يفصلنا عن تلك الأوهام التي لطالما سيطرت على أذهاننا، وملأت نفوسنا، وقيدت علاقتنا بالخارج.

وحددت الطريقة التي نتحرك بها ونحن نتأمل ونفكر في كل ما حولنا: في أنفسنا، ذاكرتنا، أفراد عائلتنا، أصدقائنا، ما نحبه، وما أجبرنا على القبول به أو الخضوع له، أولادنا، كيف ربيناهم، وكيف أعددناهم للحياة، ذاكرتنا وما يختلط فيها من حقائق وتصورات لا أساس لها من الصحة، وحتى مدرستنا الأولى وبيت طفولتنا و…

فإذا وصلنا إلى ذلك العمر، ووضعنا ذلك الحاجز وبدأنا نفرز كومة الحقائق عن كومة الأوهام، فإننا سنعترف بمقدار الخديعة التي أوقعتنا فيها تلك الاستعادات التي كانت تتم في الباحة الخلفية للذاكرة المخاتلة أو الماكرة!

سنكتشف أن بيت الطفولة لم يكن بتلك الفخامة التي كنا نصفها، لقد كانت تلك أمنيتنا ولكنها ليست الحقيقة، وسور المدرسة ليس بذلك الاتساع فعلاً، وأن بعضاً ممن حولنا لم يحبونا يوماً كما كنا نظن ونطمئن، فتلك المحبة التي كنا نتباهى بها ونتحدث عنها كانت انعكاس محبتنا وليست حقيقة محبتهم، وسنعرف بطريقة جارحة أن لا وجه واحداً للأشخاص الذين نعرفهم أو نتعامل معهم عادة، وأن الناس تتغير لأنها ترى الأمور بطريقتها لا بطريقتنا، وعندها فقط سنتوقف عن حالة الدهشة التي تتلبسنا لأن وجهاً مختلفاً لهم قد ظهر لنا بشكل مفاجئ!

لقد كبرنا وفهمنا بعض الشيء، وليس لنا يد في ذلك، المهم أننا انتبهنا وبملء إرادتنا والصدمات طبعاً، ثم الأيام التي قدمت لنا ما يكفي من الأدلة على أن الحياة ليست وسادة من ريش النعام إطلاقاً، وأن هناك من التصورات عن الناس والأشياء أكثر مما هناك من الحقائق، وأن فرقاً شاسعاً علينا إدراكه بين ما نعتقده أو نرغب في أن يكون حقيقة وبين الحقيقة المجردة.

Email