أمهاتنا والكتب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لحظة القدر الفارقة حين يشاء الله لنا أن نكون، يخلقنا في الأرحام خلقاً من بعد خلق، نكون نطفة ثم علقة فمضغة ثم نصير عظاماً ثم نكسى باللحم، حتى يشاء الله أن نولد ونواجه نور الدنيا، وعندها تبدأ رحلتنا الحقيقية، رحلة المكابدة الشاقة، إنها مرحلة الاختبارات القصوى التي يتناوب على صنعنا خلالها ألف ظرف، وألف يد، وألف إزميل ينحتنا ويشكلنا، ومن بين تلك الأيدي فلا شيء يصنعنا أكثر من أيدي أمهاتنا والكتب التي نقرؤها ومرور البشر في حياتنا!

فكيف تصنعنا أمهاتنا؟ إنهن يمنحننا تكوين الخلقة في الغالب فنصير نشبه أمهاتنا شكلاً ثم سلوكاً مع مرور الوقت، إنهن يحاولن أن يغرسن فينا مزاجهن وطريقة تفكيرهن، حتى كآباتهن وميولهن أحياناً، وأحياناً تصر بعض الأمهات على أن نكون ذلك الشخص الذي حلمن أن يحققنه لكنهن لم يستطعن، عندها يكون علينا أن نتحمل كلفة أمنية سندفع ثمنها غالياً فيما بعد!

ويا لحظنا حين تكون أمهاتنا من نوعية السيدات اللواتي يعتقدن أنهن منذورات للأدوار العظيمة، ولحفظ المواريث وحمل أختام السلالات البائدة!

تصنعنا أمهاتنا عكس ما نتمنى أحياناً، تعوض فينا إحباطات أعمارهن وانكسارات الأحلام، فتحارب لنا لنكون أجمل مما فشلت في الحصول عليه، وكما أن هناك عقدة في العلاقة بالأب فهناك عقدة في العلاقة بالأم.. وكثيرون ممن عانوا وتشكلت حياتهم ثم استقرت على القهر والرضوخ والقبول كانت الأم سبباً في ذلك، حين كانت تتقبل الظلم والقهر فلا تحرك ساكناً، وكان كل ذلك يتراكم في وعي الصغار مشكلاً حياتهم القادمة!!

أما الكتب فإنها تصنعنا حين تشكل وعينا وذائقتنا ووجداننا وطريقة نظرتنا للحياة، حين تطلعنا على تلك الأوجاع التي لا نراها، حين تنقلها لنا وتشرحها وتفككها، فنعيد اكتشافنا لأنفسنا وذواتنا عبرها، إن الكتب هي المرآة التي تكشف لنا خلطة ذلك الكيان الذي صنعته الأمهات والتربية!

Email