مرايا العمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقعت عيني على صورة رمزية لرجل كهل ينظر لصورته المنعكسة في المرآة فإذا هو شاب في مقتبل العمر، يطفح وجهه بالصحة والابتسام، بينما يطل الكهل بعيون متعبة، وهو يتكئ بيديه على حافة حوض الاغتسال، وتحت الصورة هذه العبارة: بعد عشرين عاماً ستندم على ما لم تفعله لا على ما فعلته!

في سنوات من العمر بعينها، تجد نفسك تقف أمام نفس المرآة وتوجه للشخص الذي ينظر إليك السؤال ذاته: لماذا أجلت كل تلك الأحلام والرغبات التي ألحت علي ذات عمر؟ لماذا عندما رغبت في السفر إلى جزر اليونان لم أسافر حينها؟ لماذا اتبعت تلك العبارة المراوغة (فيما بعد) ولماذا لم يأت ذلك الـ(فيما بعد) أبداً؟

وهو لم يأتِ بالفعل لأنك لم تسافر إلى تلك الجزر حتى اليوم؟ وأنك حين قلت لنفسك سأسافر قريباً، عدت وفكرت ملياً في أن جسدك لم يعد بالرشاقة والخفة التي تتطلبها أزقة الجزر وطرقاتها الحجرية الصاعدة والهابطة، وتقول لوجهك الذي في المرآة مجدداً: كم فوتُ على نفسي من أحلام بلا مبرر!

وتعود تحدث نفسك بأنك لطالما فعلت ذلك في تكرار أبدي أبله، فعندما كنت صغيراً كنت تتوق لأن تكبر، وحين كبرت كانت لديك أحلام ورغبات لكنك بعثرتها في البلادة واللاجدوى ظناً منك أن الزمن ملك يمينك دائماً، تلك كانت أكبر أخطائك!

تمضي بنا الحياة فنكبر ونصادق ونحب ونكتشف ونسافر ونصدم ونقع ونقوم مئات المرات، ولكننا غالباً لا نتعلم من كل ما يمر بنا، نظل في نهار العمر البهي تواقين لركوب كل السفن، لكننا أحياناً كثيرة نختار السفن الخطأ أو المرافئ الخطأ، وحين تواجهنا الحياة بقسوتها ووجهها الآخر نكبر قبل الأوان، ونردد الحكم والأمثال مثل العجائز، ويمضي العمر بنا ونحن نتسكع بين أخبار التلفزيونات والصحف نستاء ونصرخ ونغضب، نراكم الخيبات نهاراً ثم نجلس مساء نستعرضها خيبة خيبة، ثم نغطيها معنا وننام! وصباحاً ننظر في المرايا مجدداً.

 

Email