والسفر.. إذا أسفر!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في اللغة تشير لفظة «السفر» إلى السفور أو الظهور أو البروز، كما تسفر الفتاة عن وجهها، أو كما يسفر الصبح عن نفسه بعد ليل طويل، فيكشف ذاك السفور عما كان خافياً، حين كانت تفاصيل المكان ملتحفة بالظلمة، والليل يتدفق عبرها ومن خلالها، فلا تكاد العين ترى شيئاً، وحدها يد السفور من يزيح تلك الأغطية لترى العين ما كان مختفياً، كوجه فتاة فاتنة لا يكشف جماله سوى أن تسفر عنه.

يكشف السفر عما لا يخطر على بالنا أحياناً، يكشف عن الجميل وغير الجميل، عن المجهول والمندس في مجاهيل النفس والمسافات، يكشف عن دواخلنا وعن الآخر الذي برفقتنا، سواء كان صديقاً أو قريباً أو غريباً، فذلك الذي نعرفه في استقرارنا يكشف عن شخص آخر في الترحال، لذلك فكر جيداً قبل أن تتخذ فلاناً صديق سفر، هذه نصيحة مجانية (وتذكر أن النصيحة كانت بجمل)، فكثيرون عادوا من أسفارهم وقد أنهوا صداقات كانت تجمعهم بمن سافروا معهم!

سيكشف لك السفر كذلك مقدار الجمال والحميمية والحنان الذي يمتلكه مرافقك في الرحلة، ذاك الذي لم تعرفه فيه لسنوات طويلة مضت، لقد أتاح لك السفر أن تعرفه كما يجب، وتلك واحدة من نعم السفر، كما ستتعرف إلى مجاهيل في الأمكنة والتاريخ والطبيعة والأطعمة والثياب والآداب والحضارات.

جلست إلى ساقية ماء في مكان يستريح عند أقدام جبل، كان صوت خرير المكان واضحاً وصافياً، قلت لمرافقتي: إنه الخرير، صوت الماء المتدفق بين الصخور، والذي لطالما قرأنا عنه في الروايات والكتب، وحين سافرنا صار للفظ صورة ولون وصوت، شاهدنا وسمعنا الخرير فعرفنا معناه على الوجه الدقيق للكلمة، نحن سكان الصحارى الذين لا نمتلك أنهاراً، تماماً كما يقرأ تلميذ كلمة «بحر» فلا يعرف معناها؛ لأنه لم ير بحراً في حياته!

Email