مدينة الروائيين الكبار

(الروائي ومدينته) واحد من الكتب العذبة والمهمة، من حيث الموضوع وحجم المعلومات والإحالات التي نصادفها ونحن نقرأ الكتاب، ولوضوح المدينة في أعمال وشخصيات الكاتب الروسي الكبير ديستويفسكي على امتداد صفحات الكتاب الذي يستقصي علاقة أديب روسيا بمدينته سانت بطرسبيرغ، عبر مجموعة بحوث متفرقة كتبها مجموعة مؤلفين في أوقات متباعدة تفكك أثر وتجليات المدينة في 20 رواية من أصل 30 رواية كتبها ديستويفسكي.كانت قراءتي للكتاب أحد الأسباب التي دفعت بي لزيارة هذه المدينة الروسية التي كانت ذات زمن مضى واحدة من أكثر المدن بذخاً وثراءً وتألقاً، والتي يبدو حضورها في أعمال ديستويفسكي أمراً طبيعياً وعادياً. فقد عاش ومات فيها وتنقل بين عناوين متعددة يرصدها الكتاب بدقة وأحياناً يوثقها بصور فوتوغرافية، وقد زرت أحد هذه البيوت الذي تحول إلى متحف أنيق جداً.

يصف الكتاب بطرسبيرغ بأنها مدينة متقلبة الأهواء، يتغير مزاجها في لحظة، بناء على الضوء أو على الشمس، فتارة تكون سماؤها رائقة صافية، وتارة قاتمة عبوسة منفرة. ومثل كل كائن حي تتعرض بطرسبيرغ لظروف الدهر وأحكام الزمان، فتظهر عليها آثار الكبر والإحباط، وتنعكس عليها مشاعر الملل والإعياء. وأما البشر فيتعاملون معها تعاملهم مع بشر مثلهم. فالبعض يقع في هواها والبعض الآخر يراها كائناً غريباً خالياً من الروح.

نرصد تفاصيل المدينة في واحدة من أشهر روايات ديستويفسكي هي (الجريمة والعقاب)، وإذا بذلت جهداً فيمكنك أن تقف في مواجهة ذلك المكان الذي تخيله ديستويفسكي، حين جعل بطله راسكولينكوف يقتحم منزل المرابية العجوز ويقتلها ليسرق أموالها!