ذاك الذي لم نره جيداً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كُتب لنا أن نعيش لما بعد انتهاء هذا المأزق الكارثي، فإنني في الأيام المقبلة سأتذكّر الكثير مما فتحت عيني عليه خلال هذا الزمن الصعب الذي أمضيته حبيسة المنزل، وسأقرّ بأن الأمر لم يكن شراً بحتاً، والزمن الذي مرّ لم يخلُ من فوائد، لعل واحدة من تلك الفوائد هي اختبارنا لأفكار كثيرة كنا نرددها طوال الوقت دون أن نفهمها، أو نكون مقتنعين بها تماماً!

فلطالما تبجّحنا بالصلابة والحكمة، وقلنا لغيرنا في أزماته وانتكاساته وأحزانه تلك الجملة الذهبية «انظر إلى النصف الممتلئ من الكأس»، فلكل أزمة وجه آخر كوجهي العملة تماماً (المرسوم والمكتوب)، فتساءلت: أين ينتهي المكتوب علينا، وأين تبدأ مسؤوليتنا عمّا حصل؟ فوجدت ذلك في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، أي إن ما نعانيه من خيبات، وما يحيط بنا من تصدّع في العلاقات والقيم، ومن تلوّث وفساد ليس سوى نتيجة منطقية لأفعالنا!

إن الانتباه لصوت الإنسان فيك، لاحتياجاتك البعيدة عن الماديات والمظاهر، احتياجك لعائلتك، لاهتمام الآخرين بك وسؤالهم عنك، احتياجك للصحبة والمودة والتعامل الإنساني المباشر، وليس عبر الشاشات وخلف الأسلاك، واحتياجات كثيرة أخرى كانت متاحة كما الماء والهواء، ولم نكن نلقي لها بالاً فصارت أمنيات نحلم بها، حين تلاشت روائح أصدقائنا وقربهم وثرثراتهم، فأيقنت أكثر بأنك كائن مستطيع بغيرك.

منذ متى لم تتفقّد بيتك الذي تسكنه طيلة سنوات؟ لم تتفقّد خلايا النحل وسط أشجار الليمون، أعشاش الطيور في مصابيح الإنارة المكسورة، أشجار «الجهنمية» التي حجبت معظم سور المنزل، العشب الذي نبت على كراسي الحديقة.. إنه البيت الذي تسكنه، لكنك لا تعرف عنه بقدر ما يعرف المزارع والسائق ربما!

 

Email