لياقة الكاتب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

نستكمل حديثنا الذي بدأناه بالأمس، بحثاً في الأمور التي لا يقولها الكتّاب! فهل هناك فعلاً قضايا ومواضيع يتجنّب الكتّاب الاقتراب منها أو الخوض في تفاصيلها؟ وهل هذا الحذر يعود لقرار شخصي، أم لاعتبارات موضوعية أكبر من قرار الكاتب؟ في الحقيقة فإن العثور على موضوع أو فكرة للكتابة حولها بشكل يومي هو أصعب ما في الكتابة اليومية، ومن هنا فإن الحاجة الماسة لهذه الفكرة تتطلب من الكاتب تمرينات لياقة دائمة ومستمرة، ليظل قادراً على الثبات في مكانه بالجريدة وفي قلوب قرائه، حيث لا يفكر القراء كثيراً في هذه المعاناة، لكنهم يبحثون عن تألق كاتبهم كل يوم، بل ويطالبونه بالأكثر!

إن ما يحدد الموضوعات التي يتجنبها الكاتب أو يحاذر الخوض فيها، هي تقاليد الصحافة أولاً ومواثيق الشرف الصحفي، وسياسات الجريدة واهتمامات الكاتب، فالكاتب الذي لا علاقة له بالأرقام والإحصاءات والاقتصاد لا يمكنه أن يتورط في تحليل مؤشرات أسواق النفط وأسعار الأسهم وسندات الخزينة في فترة الأزمات الاقتصادية، كما أن أي كاتب غير مسموح له بالتطاول على سياسات ومصالح المجتمع، أو الكتابة في ما يمكن أن يتسبب في إحداث بلبلة في الرأي العام، فهناك حدود فاصلة بين حرية الرأي ومسؤولية هذا الرأي.

ومع ذلك هناك قضايا تخص أحوال الناس، وتعالج همومهم، وتفتح الباب ليتم تسليط الضوء على الأخطاء والتجاوزات، ومع ذلك لا يتطرق لها بعض الكتّاب، إما خوفاً منه، وإما لأن سقف الحرية في صحيفته منخفض.

الكاتب ليحافظ على لياقته وقدرته على التدفق والكتابة الجيدة ليس أمامه سوى المزيد من القراءة وتثقيف نفسه في مختلف حقول المعرفة، والانغماس في الشأن العام، والاطلاع على الأخبار ومجريات الأمور، والسفر، ومرافقة الناس والاستماع إليهم.. كل ذلك ليتمكن من التعبير عنهم ورفع قضاياهم عالياً، بحكمة وقوة ومعرفة دقيقة بكل التفاصيل، وهذا ما يميز كتابة مقال الرأي في الصحيفة عن مواضيع التعبير المدرسية!

Email