متى تسقط فكرة «المنع»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن ما يحدث في بعض بلداننا العربية لصالح الانفتاح والحريات، يعكس مرونة ملحوظة لدى هذه البلدان في فهم تحديات الحداثة ومتطلبات التغيير، واستجابة واضحة للتحولات السياسية والثقافية التي يطالب بها الناس في كل مكان ومنذ عقود طويلة، كالحق في امتلاك حياة حرة كريمة بعيداً عن أي نوع من الإكراهات والتعسف، وممارستها بالأسلوب الذي يرونه هم لا كما يراه غيرهم!

إن حق الإنسان في أن يختار نمط معيشته أصبح يوازي في أهميته حقه في اختيار الأفكار التي يؤمن بها، ونوعية الكتب التي يقرؤها والحدود الجغرافية التي يتنقل ضمنها، وهنا يحضرني سؤال شغلني بالفعل وأنا أقرأ كتيباً صغيراً بحجم كف اليد عنوانه «الكتب الممنوعة» (2011) لمؤلفه الإيطالي ماريو إنفليزي، خلاصته: هل ستبقى المجتمعات الإنسانية بعد كل هذا التطور الحاصل وثورات المعلوماتية والتقنية تمارس سلطة التحكم في أفكار الناس وتمنع الكتب التي لا تتفق وسياساتها؟ أم أن هذا سيتحول تراثاً ينتمي لزمن الديناصورات؟

هناك كتب يشير إليها المؤلف في كتابه وهو يستعرض قوائم الكتب الممنوعة عبر التاريخ تدفعك للاستغراب والتساؤل عن سبب منعها والخطورة التي تحتويها كي يصدر قرار منع تداولها؟ لكنك حين تعود للظروف التاريخية، تجد أنَّ للمنع يومها ظروفاً موضوعية تعود للذهنية المتحكمة يومها، في حين أن هذه الكتب نفسها تعرض اليوم في كل مكان، حتى في أكثر البلدان تزمتا ضد هذه الكتب في تلك الأيام الغابرة، ولعل كتاب جورج أورويل «1984»، أحد أشهر النماذج على الكتب الممنوعة، والتي منعها ستالين من التداول في روسيا!

لم تكن السلطات السياسية في أوروبا الجهة الوحيدة التي تمنع الكتب، فقد تصدى كهنوت الكنيسة منذ البداية لهذه المهمة، وشمل المنع كتباً ألَّفها كتَّاب ليسوا كاثوليك أو كتباً كتَّابها غير معروفين أو ربما طبعت في مطابع أصحابها ملحدون أو معارضون للكنيسة! فكيف انقلبت الموازين اليوم؟ لم يعد للكنيسة أي رأي في حياة الناس وما يقرؤون بل وبما يؤمنون!

Email