صديقتي «المذهلة» والكتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه تجربة تستحق التوقف، تستحق أن أتحدث عنها بفرح ظاهر وبكثير من الفخر، هي تجربة أقرب لأن تكون ذاتية وإن كانت تخص شخصاً آخر، لكن لقرب هذا الشخص من قلبي ومن نفسي فإنني أرى في التجربة امتداداً لتجربتي الشخصية مع القراءة ومع عالم الكتب، والتجربة باختصار تخص صديقتي التي لا أظن أن شخصاً ينثر الطمأنينة في حياتي كما تفعل، فأطمئن للصدق الذي تتعامل به مع الحياة، وأطمئن لمقدار الشهامة الذي تتمتع به، إنها على حد وصف الإخوة المصريين «جدعة» جداً!

«كارلا فغالي» امرأة لبنانية، جميلة الروح، تنتمي لذلك الجيل الذي عاش وعايش مآسي الحرب الأهلية، فتكونت ذاكرتها من كل مشاهد الدمار والقصف ورعب الهروب من شبح الموت، كانت وهي طفلة ثم وهي مراهقة صغيرة تقرأ بنهم شديد، كانت الروايات عالماً جميلاً وردياً، عالماً حالماً عاشته وراكمته في ذاكرتها وهي صغيرة، هذا العالم الذي تبعثر تماماً حين كبرت وتزوجت، فإذا بحرب وحشية تمطر لبنان وتمتد طويلاً لتلتهم كل شيء، لم تنته الحرب حتى امتصت روح البلد وفرح الناس وأحلامهم، ورغبة الصغيرة في القراءة والاطلاع!

اعتدنا صديقتي وأنا على اللقاء في دبي نقضي أياماً في الضحك والنزهات والتسوق، في هذه السنة حدث أمر مختلف تماماً، أعاد المرأة التي تجاوزت الكثير من مطبات وظروف الحياة الصعبة إلى تلك الأيام البعيدة التي كانت تلتهم فيها الكتب وتعيشها بكل شغف القلب وحرارة الروح، التقطت من مكتبتي كتاباً للتركية أليف شافاق «قواعد العشق الأربعون».

وعكفت عليه حتى انتهت منه في أيام، برغم صعوبة محتواه وضخامته بالنسبة لشخص ترك القراءة منذ سنوات بعيدة جداً، لكنها قرأت كأنها لم تنقطع عنها، كصديق ودع صديقه البارحة والتقاه بذات اللهفة في اليوم التالي! هكذا راقبتها بفرح غمرني تماماً وهي تقرأ قواعد المحبة التي وضعها شمس الدين التبريزي!

ثم طلبت كتاباً آخر، وثالثاً، ورابعاً وووو، حتى إذا أنهت الشهر كانت قد قرأت خمسة كتب لا تقل ضخامة وصرامة عن الكتاب الأول، كانت صفحات بعض هذه الكتب تتجاوز الـ 600 صفحة! عادت إلى قواعد القراءة سالمة سليمة معافاة، شغفها الكتاب حباً، وصرت أتلقى كل بضعة أيام سؤالاً عن كتاب آخر تريد أن تقرأه، مر عليها اليوم شهران بالتمام والكمال وقد أنهت عشرة كتب، وهي الآن تحث الخطى في مجاهل قرية ماكوندوا، قرية غارسيا ماركيز الخرافية في روايته «مائة عام من العزلة»!

كم أنا فخورة بك يا صديقتي.

Email