يا شباب الوطن ... والكرامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

 صباح الخير والخيرات يا شباب الحراك...
صباح الأمل المعقود عليكم لتأسيس نواة عمل مستقبلي يخرج الأجيال من سكونها الجامد إلى الحيوية المتجددة ومن تقاعسها القاتل إلى المشاركة الفاعلة في السلطة والثروة...

صباح الكرامة الساطعة من وجوهكم وانتم تصرون على الانتصار للمبادئ التي ترون انها انتهكت وللثوابت التي ترون انها ضربت...
صباح الحب والاحتضان من كل اهل الكويت لأبنائهم الشباب إلى أي مذهب انتموا أو قبيلة أو منطقة، فالحراك صهرهم ووحدهم، وحب الكويت صار مذهبهم الوحيد وقبيلتهم الوحيدة.

وكما أن للشباب علينا حق التقرب منهم ومن همومهم والاستماع إلى مطالبهم ومواكبة تحركهم فان لنا عليهم (ونحن منهم وفيهم) حق الإنصات إلى كلام نابع من القلب والعقل.

عندما حصلتم على الترخيص الأول للمسيرة الهادرة التي جابت شارع الخليج كان عنواننا تحت صورتكم في الصفحة الأولى كلمة «تاريخية»، ليس للإشارة إلى الحشد فحسب بل لانكم انتزعتم بعزيمتكم واصراركم وثباتكم وتضحياتكم الترخيص ولم تحصلوا عليه. وجميعكم تذكرون كيف ان الترخيص كان اقرب إلى المستحيل أو ان السلطات كانت تصر عليه من باب ذر الرماد في العيون مع اشتراطات صعبة. كانت مسيرة تاريخية لأن المأمول منها هو التأسيس لحراك راق متحضر تحت سقف القانون والدستور، يحشد عناصر جديدة كل مرة، ويؤسس لثقافة مختلفة للتجمعات والتعبير عن الرأي، ويشجع الشباب والشابات وحتى الأسر على المشاركة لتلوين المشهد السياسي بتعددية افتقدتها الكويت لسنوات.

يومها جهد المعترضون على عنواننا لإثبات عكسه، تارة بإرسال صور جوية وطوراً بإجراء «مسح عددي»... وكان جوابنا ان العنوان لا يتعلق بالعدد بل بالعناصر التي ذكرناها.

اليوم تغيرت الفكرة التي لم تعط وقتها للاختبار والانتشار، انتصر الرأي القائل بالعودة إلى المسيرات من دون ترخيص... لماذا؟ اجابات سياسية وعاطفية وحماسية لا اعتقد انها تخدم قضية الحراك. أناس ركبوا موجة الشباب وأرادوا استثمارها لمصالحهم. أناس كانت لهم وجهة نظر مختلفة بان الصدام يختصر الطريق إلى تحقيق الأهداف. اناس رأوا ان الحراك يفقد زخمه ان سار بشكل متحضر وسلمي وان المواجهة مع الأمن قد تعيد جزءاً من ذلك الزخم. أناس اجتهدوا وأناس اعتقدوا وأناس حاولوا... إنما أيضاً هناك أناس اندسوا وهناك أناس اخترقوا وهناك أناس حاولوا توظيف الصدام لأجندات خاصة داخلية وربما خارجية.

في استعراض النتائج، اعتقد ان الشباب قبل غيرهم ادركوا ان الحماسة والعاطفة والاندفاع شيء وان التخطيط والتعقل والخطوات المدروسة شيء آخر، مهما حاول بعض السياسيين والنواب السابقين ان يقنعوهم بانهم من خلال المواجهات أشعلوا العالم قلقا عليهم وعلى الكويت.

شبابنا، في غالبيتهم، يعرفون أين يقفون وإلى أين يتجهون وكيف يحللون وهم لا يحتاجون إلى دروس من صاحب مصلحة خاصة أو هدف معين.
هم قبل غيرهم أدركوا أن المسيرات غير المرخصة والمواجهات في المناطق السكنية لن تزيد الحشد والتعاطف.

وهم قبل غيرهم أدركوا ان خطاً واضحاً يفصل بين العمل السياسي الجاد وبين الحماسة وأحيانا «افتداء» شخصية سياسية أو تيار.

وهم قبل غيرهم أدركوا أن الخبرة في العمل السياسي شيء والاندفاع في مشروع بعض السياسيين شيء آخر.

وهم قبل غيرهم أدركوا أن انتقاد المسؤولين والخصوم ولو بأكثر سقف مرتفع شيء وألفاظ الشتائم والتجريح شيء آخر.

وهم قبل غيرهم يدركون أن العالم، وعلى رأسه العم سام، يبيع الوهم لمصالحه ويمسح تعهداته قبل صياح الديك... بصفقة.

وهم قبل غيرهم سيدركون عاجلا أم آجلا ان الوسائل الدستورية والقانونية أسلحة لخدمة قضيتهم وليس العكس، وأدوات لزيادة دعم الناس لهم والتعاطف مع قضيتهم وليس العكس، وفضاء يمكنهم من الحشد والتعبير وليس العكس.

وهم قبل غيرهم سيدركون عاجلا أم آجلا ان وسائط التواصل الاجتماعي جسر لإيصال صوتهم من خلال التزام اللغة المناسبة المعبرة التي تبشر ولا تنفر، ومن خلال الابتعاد عن الاساءات والتجريح. وهذا الكلام ليس من باب اظهار الرقي في التخاطب فحسب بل أيضاً للابتعاد عن خرق القانون والخضوع للإجراءات القضائية. التزام القانون قوة للشباب بل هو قوة الشباب.

تنقصكم الخبرة؟ صحيح، ومن منا مكتمل الخبرة؟ لكن لا تدعوا أحداً يملأ فضاء حركتكم بخطابه وأسلوبه وأهدافه بحجة انه «يخدمكم» بخبرته.

تغيب القيادة الشبابية الواضحة لحركتكم؟ أيضاً صحيح لكن لذلك ظروفه ومقتضياته، فالقيادة ستتبلور والخير داخلكم كثير، ولا تدعوا أحداً يتقدم عليكم في هذا الموقع خصوصا الذين يصدحون ليل نهار بجملة «الحراك الشبابي يقودنا ونحن نواكبه».

يخطئ كثيرا من يعتقد انكم تخوضون كل هذا النضال الشعبي فقط من أجل مشروع مرحلي لإسقاط مرسوم. فرؤيتكم أوسع وحدودكم أكبر ورؤيتكم أعمق.

مشروعكم هو مشروع تعميق الشراكة على كل المستويات وتحضير قيادات كويت المستقبل. مشروعكم إذا احسنتم انتاجه واخراجه هو... المستقبل.

يا شباب الحراك... شباب الكرامة... لا نعطيكم دروسا بل نتعلم منكم طرق العودة إلى الزمن السياسي الجميل، ونتمنى عليكم ألا تسمحوا للشوك بالتكاثر على جانبي الطريق. التقطوا انفاسكم، وقوموا بمراجعة دائمة لكل خطوة. قيموا سلبياتها وايجابياتها واختاروا الأصح والأصلح للمقبل من الأيام.
صديقك من صدَقك لا من صدّقك.
 
 

Email