طاولة الحوار والمسرحية الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يأسف أحدٌ على إرجاء طاولة الحوار، ولم يُصدِر أحدٌ بيان استنكار لسقوطها، فهذه الطاولة منسية ولا يتذكرها إلا من يدعو إليها، لكن هل هذا هو الحوار الحقيقي؟

يتندَّر كثيرون من السياسيين في وظيفة الحوار الذي تتم الدعوة إليه، يقولون في مجالسهم إن إضفاء صفة رجل الحوار التي أُعطيت لرئيس الجمهورية أو التي أعطاها لنفسه في جولاته الخارجية ولا سيما الخليجية منها، لم يكن القصد منها سوى عملية تسويق سياسية أكثر منها تسويق تسوية سياسية، هذه الجولات إنتهى مفعولها لحظة مغادرة كل دولة وحتى قبل العودة إلى لبنان، فالدول التي تمت زيارتها تعرف قياداتها عن الوضع في لبنان أكثر مما يعرف المسؤولون فيه ولا حاجة بالتالي إلى هذه الزيارات والجولات لشرح الوضع.
ويقول مخضرمون في هذا المجال:

حبذا لو أن الجهد الموضوع لإنجاز الرحلات الخارجية يوضَع لتفعيل الحركة السياسية الداخلية، ويتابع موضحاً:

طبعاً المقصود الحركة السياسية وليس الإجتماعية الناشطة هذه الأيام، هذه الحركة التي يبدو ان لا ظروف توقفها خصوصاً انها قائمة على المأدب ولا سيما المسائية منها، هذه المناسبات لا تُفوَّت ولا تؤجَّل أياً تكن الظروف والإعتبارات، فالإجتماعيات بالنسبة إلى البعض تأتي أولاً بصرف النظر عن مشاكل البلاد والمسؤولين عن معالجتها.

طاولة الحوار إذاً في خبر كان، وقد تمت الاستعاضة عنها بطاولة المآدب، وعند البعض لا فرق بين الطاولتين طالما ان تقطيع الوقت هو العلامة الفارقة والجامع المشترك بين المتحلِّقين حول الطاولات.

هذا في المسايا، ولكن ماذا عن نهارات هؤلاء؟
الذين يتابعون أحوال البلد يعتقدون، واهمين، أن الإنشغالات:
من اعتصامات المياومين إلى اعتصامات موظفي القطاع العام إلى الأحداث الأمنية المتنقلة، تجعل هؤلاء المسؤولين ينوءون تحت أعباء المسؤوليات، فلا يبقى لديهم أي متسع من الوقت للتفرُّغ للإجتماعيات، لكن الذي يجري هو شيءٌ آخر، وأن الحقيقة هي في مكان آخر:

المسؤولون يتظاهرون بتحمُّل المسؤولية فيما الناس يتظاهرون من حاجة ومن جوع. المسؤولون يُوحون بأن قلبهم على البلد فيما قلوب الناس تُدمى من الغد المجهول والمستقبل الغامض. المسؤولون يعتلون المسرح السياسي للإيحاء بأنهم يعملون لمصلحة البلد فيما هم مولعون بالمسارح التي تقوم على النقد الجارح لهؤلاء فكيف يتحمَّلون أن يستمعوا إلى مَن تقوم مضامين مسرحياتهم على الفشل في إدارة البلاد؟

إنها المسرحية الكبرى التي لم يشهد الوطن بديلاً لها وسابقةً تشبهها. البلد مسرح كبير لكن لا دور للبطولة لأحد في السيناريو المعد له.
 

Email