تحديات وتعقيدات وأبعاد النزاعات الإقليمية تربك سياسة الدعم العسكري

التسلح بين اندفاع الكونغرس وتردد الإدارة الأميركية

الرئيس الأوكراني ناشدالكونغرس مد بلاده بأسلحة فعالة أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العادة، وخصوصاً في زمن الحرب الباردة، تبادر الإدارة الأميركية وترسم سياسة تسليح من هم في صف الحليف، ولو المؤقت. كان الكونغرس يتلقى الطلب للموافقة. وغالباً ما كان يوافق، خاصة عندما يكون الخصم واضحاً. الآن انقلبت الآية إلى حدّ بعيد. صار الكونغرس الجهة التي تدفع وإدارة أوباما الجهة التي تنأى في البداية، لتعود في النهاية إلى ما رفضته، تحت ضغط الواقع وإلحاح الكونغرس. تجلّى ذلك في موضوع تسليح المعارضة السورية. والآن بدأت العملية تأخذ هذا المنحى بخصوص تسليح أوكرانيا. فالمرحلة شديدة التعقيد والتداخل ومجهولة المآل.

نهج مغاير

جاء الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض حاملاً شعار طي صفحة الحروب. قناعاته وتركة بوش التي اكتوت أميركا بنارها، خاصة حرب العراق، حملته على رسم نهج مغاير لاقى الترحيب، في الداخل كما الخارج. لكن التحديات واجهته خاصة في ولايته الثانية،. تعذر عليه التكيف والتوفيق بين طرفي المعادلة. الأزمة السورية كانت الاختبار الكاشف.

اصطدم على امتدادها مع ثلاثة من أركان إدارته وفريقه المعني بشؤون الأمن القومي. انسحبوا وغادروا ليتحدثوا عن تشبثه بنظرته خلافاً لتوصياتهم العديدة. استبد برأيه « وضلّ طريقه » بتعبير وزير الدفاع السابق ليون بانيتا.

والأنكى من ذلك أنه عاد تحت إملاءات الواقع إلى ما كانوا قد أشاروا عليه به. عاد إلى تسليح «المعتدلين » من المعارضة السورية التي كان قد أنكر عليهم هذه الخطوة بزعم خوفه من سقوط السلاح الأميركي بيد المتطرفين. المفارقة القاسية أن هؤلاء وصلوا إلى أسلحة أميركية أهم بكثير مما كان مزمعاً تسليمه للمعارضة ومن ترسانة العراق الذي احتضنت إدارة أوباما رئيس حكومته نوري المالكي. تسجّل عليه خطأين : رفضه دعم المعارضة ..

وبالتالي ترك الساحة لصعود «داعش ». وأيضاً ترك الحبل على غاربه للمالكي الذي فاقمت سنوات حكمه من الأزمة الطائفية في العراق. في آخر المطاف، عاد إلى خيار التسليح بالاضطرار. الكونغرس الذي مانع في البداية بتأثير هذا الخوف لم يتراجع ويوافق فقط، بل هو يطالب بالأكثر.

بذلك بدا الرئيس وكأنه يلهث وراء التطورات. كما بدا الكونغرس وكأنه المحرك ولو بحدود، لسياسة التسليح وساحاتها. والآن يجدد هذا الأخير الدفع باتجاه تسليح اوكرانيا. خيار وقف الرئيس ضده، كما وقف تجاه التسليح السوري. قدمت واشنطن و« الناتو » مساعدات عسكرية بحوالي مئة مليون دولار. لكن كييف طالبت بالمزيد.

« لا نقوى على كسب الحرب بالبطانيات والنظارات الليلية » – التي قدمها الغرب – على ما جاء في كلمة الرئيس الأوكراني أمام الكونغرس في سبتمبر الماضي. الآن يدعو هذا الأخير إلى تزويد أوكرانيا بأسلحة فعالة مثل « المضادات للدروع وذخائر وعربات مصفحة ومعدات اتصال متقدمة ». وتأخذ مثل هذا الدعوة زخمها من كونها صادرة عن أقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي. خاصة في مجلس الشيوخ. وفي ضوء السوابق، من غير المستبعد أن يتراجع الرئيس عن رفضه.

لجم التوجه

ينطلق الرئيس أوباما من أن التسليح يؤجج الحروب. وبالتالي فإن لجم هذا التوجه أمر مطلوب. لكن الواقع ليس بهذه البراءة. أحيانا التسليح المناسب في اللحظة المناسبة يختصر الحروب ومآسيها. مكابرته ثم عودته الإجبارية المتأخرة إلى هذه الحقيقة أعطت الكونغرس الذريعة ليأخذ المبادرة في هذا المجال. الخشية هنا هي أن لوبي المجمع الصناعي العسكري، الذي حذّر الرئيس الأسبق أيزنهاور من تأثيره، يتمتع بنفوذ كبير في الكونغرس. الأمر الذي قد يدفع بسياسة التسليح نحو الشطط الخطير، لو صار هذا الأخير يتحكم بها. صمام الأمان ليس فقط في وجود رئيس في البيت الأبيض ممانع للحروب، بل أيضاً ضد أنصاف الحلول والأحكام المتأخرة.

Email