بعيداً عن حسابات الربح والخسارة الآنية

الاتفاق النووي الإيراني يؤذن بتحولات استراتيجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في قراءته لأبعاد الاتفاق حول النووي الإيراني، يقول أحد المحللين : " إذا صمدت الصفقة مع إيران، وبلغت نهاياتها المرغوبة، فإنها قد تؤدي إلى إحداث أهم تغيير شامل في الحسابات الاستراتيجية الأميركية منذ عقود ". كلامه يلخّص إلى حدّ بعيد، قراءات أميركية وازنة لإبعاد هذه التسوية.

ومفاد ذلك أن التسوية مع طهران، لو سارت في الطريق المرسوم، فلن تقتصر على الجانب النووي بمفرده، بل هي محكومة بأن تنطبق على الجوانب الأخرى من العلاقات الإيرانية الغربية وبالتحديد الأميركية الإيرانية، وذلك بفعل تقاطع المصالح المستجدّة.

فواشنطن لها مصلحة في تعزيز التقارب مع طهران لحماية الصفقة، كما لحسابات إقليمية أخرى.

 وطهران لها مصلحة في تحسين العلاقات لقطف ثمارها في الداخل وفي المنطقة. مثل هذا التلاقي الموضوعي تكون ترجمته في نسج معادلات واصطفافات جديدة تخدم الأغراض المتبادلة لأطرافها. وبحسب هذا التعليل، يكون الملف النووي قد لعب دور المدخل لتوجهات استراتيجية غريبة عن المألوف ،إن لم تكن انقلابية، في الشرق الأوسط.

في طوفان الردود الأميركية على الاتفاق، قيل الكثير عن مخاطره ،كما عن محاذيره.

المحافظون وأنصار اسرائيل ،في الكونغرس كما في وسائل الإعلام، شنوا حملة مكثفة على أوباما وإدارته، من باب أنه وافق ضمنا على استمرار إيران بتخصيب اليورانيوم ولو بدرجة منخفضة، وأنه " كافأها " بتنازله عن " ورقة العقوبات التي أرغمت طهران على المجيء إلى الطاولة ". هجوم رأت فيه بعض الأوساط كثير من "المبالغة " المستخدمة لأغراض سياسية. فالاتفاق، يقول هؤلاء، مُحكم بأليات ضابطة والعقوبات باقية مكانها باستثناء الإفراج عن 6 أو 7 مليارات من الأموال الإيرانية المجمّدة، خلال فترة التجربة الانتقالية لمدة ستة أشهر والتي ستكون فاصلة في الحكم على النوايا الإيرانية.

الآخرون، اكتفوا بالدعوة إلى التعاطي مع إيران بحذر، في ضوء التجربة المعروفة معها والتي " لا تدعو إلى الاطمئنان ". ودعوا على الرغم من وجود ثغرات في الاتفاق، إلى منحه الفرصة باعتباره " جدير بالتجربة ". فهو على الأقل" يشتري الوقت" بتجميد المشروع عند أدنى درجاته، لنصف سنة. موقف جرى التعبير عنه في افتتاحيات معظم الصحف الكبرى ،كما على لسان خبراء وصنّاع رأي وباحثين في مجال السياسة الخارجية وشؤونها.

تعاطي واشنطن

لكن الإدارة الأميركية تتعاطى مع الموضوع من فوق الجدل الدائر، على ما يبدو. تتحدث بشيء من الثقة عن مراحل في عملية يشكل فيها اتفاق جنيف "الخطوة الأولى " التي قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه يأمل " بعدها أن ينفتح الباب لمعالجة الجوانب الأخرى" المتعلقة بالحضور الإيراني في المنطقة.

وكأنه يمهّد لصيغة أوسع تشمل ما هو أبعد من النووي. ولا شك أنه في أجوائها، إذ أنه ممن شاركوا في طبخها مبكراً. فقد سبق له قبل اكثر من سنة يوم كان لا يزال في مجلس الشيوخ أن شارك في لقاءات سرية مع مسؤولين إيرانيين، حسب ما انكشف مطلع هذا الأسبوع. كما عاد وتابعها نائبه وليام بيرنز ومسؤولين أميركيين آخرين الملف النووي منوط أمر التفاوض حوله بمجموعة 5+1 . وليس بالتالي ما يبرّر السرية سوى أن اللقاءات في ظلّها كانت تتمحور حول ما يتخطى هذا الشأن، حول الأدوار والمقايضات وساحاتها. فالبازار أكبر من ملف واحد.

وحسب أحد السيناريوات، تجمد إيران مشروعها النووي، فيما تساهم روسيا في ثني واشنطن عن بناء قاعدة للدرع الصاروخية الواقية في بولندا، على أساس ان المخاوف النووية الإيرانية لم تعد قائمة. بالمقابل تؤمن موسكو مقعداً لطهران على مائدة جنيف 2 السورية، واستطراداً شراكة ما في صوغ الوضع السوري الخارج من الحرب. هذا إذا توقفت الحرب .

سيناريو آخر يرى أصحابه أن " الصفقة التاريخية" مع إيران التي تعتبر بمثابة تحوّل زلزالي في المنطقة، يمكن أن تحدث تغييراً في مجمل "رقعة الشطرنج "، وبما يفسح المجال واسعاً أمام واشنطن لاستعادة المبادرة هناك وتحقيق اختراقات دبلوماسية وازنة في مختلف ساحات الإقليم.

تباين التقييمات

لقد تباينت التقييمات الأميركية للاتفاق النووي الإيراني. ما زال في مفرداته وتوقيته وتوازنه موضع جدل ساخن بين متحفّظ ومعارض ومؤيد. شيء واحد لا خلاف حوله وهو أنه بخلفيته وأبعاده يضع المنطقة على مفترق استراتيجي مفتوح.

Email