سوريا.. أرض الجيوش الأجنبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع نهاية العام 2013 بدأ خطر تنظيم داعش الإرهابي يطفو على السطح. كان المشهد السوري أكثر جاذبية للتنظيمات الإرهابية، وبالفعل بزغت هناك كل التنظيمات المتطرفة في نهاية العام 2012 وتحول المسار الثوري إلى مسار حرب للتطرف من دون جدوى، اختلطت فيها كل المصالح.

أواسط العام 2014 كان الخط البياني لتنظيم داعش الإرهابي يتنامى شيئاً فشيئاً، بعد أن كانت هناك أرضية واقعية لنمو هذا التنظيم نتيجة الحقن الطائفي لتيار واسع من المعارضة والنظام، وكان سقوط الموصل على يد داعش وهزيمة الجيش العراقي، ومن بعد ذلك سيطرة التنظيم على مدينة الرقة، صافرة الإنذار العالمية لخطر الإرهاب العابر للقارات، وبدأ التنظيم، بطريقة مريبة، ينتشر ويتمدد، إلى أن سيطر على مساحة واسعة من الأراضي السورية والعراقية، الأمر الذي دعا إلى تحالف دولي لتحجيم هذا الخطر السرطاني.

وبالفعل تم تشكيل تحالف دولي واسع، بمساهمة رئيسية من دول خليجية وعربية تحارب الإرهاب، استطاع على مدار ثلاث سنوات النيل من هذا التنظيم والقضاء عليه، واليوم في أرذل حالاته، وينازع في الرمق الأخير في سوريا والعراق، ولم يعد يسيطر إلا على قرى بسيطة في أقصى الشرق السوري.

ومع نهاية هذا الفصل الأسود من حقبة داعش في سوريا والعراق، ثمة سؤال يظهر مجدداً، ماذا عن كل هذه الجيوش الدولية التي تحارب تنظيم داعش إلى أين ستذهب بعد زوال التنظيم، وكيف ستخرج من سوريا في ظل استمرار الصراع وحالة الفراغ السياسي.. وما هو تأثير هذه الجيوش على الأرض في سوريا بعد أن بات التنظيم خطراً من الماضي؟.

ملء الفراغ

تعتبر العقدة في سوريا، كونها ساحة مفتوحة لكل الجيوش والميليشيات، فكل قوة على الأرض باتت تتذرع بوجود تنظيم داعش، حتى القوة الإرهابية والميليشيات الإيرانية وحزب الله تعتبر نفسها في مواجهة تنظيم داعش، رغم أن كلا الطرفين في كفة واحدة بالنسبة لواقع الحال والممارسة.

ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، إليوت إبرامز، أن هزيمة تنظيم داعش سيطرح سؤالين جادين أمام الولايات المتحدة؛ أولهما: من سيملأ المساحات التي تقودها الجماعة الإرهابية؟ كما أن هناك جهوداً واضحة يبذلها التحالف الجديد بين إيران وحزب الله من جهة وروسيا والميليشيات المسلحة من جهة أخرى للرد بـ: «نحن سنفعل».

ويضيف، هذا جواب ينبغي للولايات المتحدة رفضه؛ إذ إن تطوراً من هذا النوع من شأنه أن يعزز تحالفاً معادياً لأميركا يهدد أمن الأردن وإسرائيل ويفسح المجال أمام إيران لتبقى القوة المهيمنة في معظم أجزاء المنطقة. كما أن رفض هذا التحدي بمجرد الكلام سيكون مهزلة، ولا بد من مقاومته على الأرض من خلال استخدام القوة من طرف تحالفٍ يجب على الولايات المتحدة تولّي مهمة إنشائه وقيادته.

دوامة الحرب

والمشهد يكشف أن سوريا أمام موجة من الحجج والمسوغات لكل القوى على الأرض، وهي ترى أنها القوة التي تحارب تنظيم داعش، وبالتالي ستبقى سوريا في دوامة الدول الإقليمية والدولية منها ما يريد محاربة داعش ومنها من يتخذ من داعش شماعة لتبرير وجوده في سوريا، فعلى سبيل المثال يكفي لإيران وللميليشيات الطائفية أن تخوض معركة واحدة لتثبت أمام المجتمع الدولي أنها أمام محاربة الإرهاب.

ويرى المحلل العسكري السوري، أحمد حمادة، أن الميليشيات الإيرانية لن تكون في يوم من الأيام ضد تنظيم داعش من الناحية الاستراتيجية، وإنما من الناحية التكتيكية، والدليل على ذلك أن قوات النظام وإيران في كثير من الأحيان يتجنبون مواجهة داعش في ريف دمشق من أجل المساومة على هذا التنظيم مع المجتمع الدولي.

ويتابع في تصريح لـ«البيان»، أن وجود مثل هذه القوة الإيرانية والميليشيات الأخرى، سيظل خطراً يهدد سوريا ومستقبل سوريا، كما هو تهديد تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي آثار وجود هذه الجيوش والميليشيا من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة، لذا على المجتمع الدولي التدخل في سوريا لطردها باعتبارها لا تقل خطورة عن خطر التنظيمات الإرهابية.

صدام قادم

أما الكاتب السوري، عمر عبدالمجيد، فيرى في ذات الوقت أن هذا الكم الهائل من الجيوش الغربية والإقليمية على الأراضي السورية، من شأنه أن يخلق حالة من الصدام في المستقبل القريب، وهذا سيكون على حساب الاستقرار في سوريا والحل السياسي الذي يتحدث عنه الجميع.

ويضيف، في تصريح لـ«البيان»: صحيح أن خطر تنظيم داعش الإرهابي ما زال قائماً على الأرض، إلا أن المواجهة يجب أن تكون منسقة بين هذه القوى وليست من دون ترتيب، على أن تكون هذه القوى منضبطة وتخضع لقيادة مركزية وفق جدول زمني معين لا يمكن تجاوزه.

ويؤكد أن إطالة الحجج الإيرانية والميليشيات الأخرى بأن وجود داعش يستدعي وجودها سيزيد الأمر تعقيداً، وربما هذه الميليشيات مع الزمن ستتحول إلى جيوش رديفة بجيش الأسد، وبالتالي تتحول ربما إلى فصائل مثل حزب الله في لبنان، وهنا ستدفع الدول الغربية وسوريا فاتورة منظمة إرهابية جديدة بعد القضاء على تنظيم داعش.

أما الجيوش الأخرى، فهي تدور من زاوية أخرى في نفس الفلك، فهناك الجيش الأميركي صاحب المهمة الأكبر في قتال داعش، بالإضافة إلى وحدات بريطانية وفرنسية وبلجيكية في الشرق السوري، هذه القوة العسكرية باتت تتمركز شيئاً فشيئاً على الأرض السورية وفق قواعد الاشتباك مع داعش، وبالتالي هي موجودة على الأرض مادام التنظيم قائماً، لكن الخطر الأكبر في مناطق انتشار داعش خصوصاً في دير الزور، من هي القوى المحلية التي تحكم المنطقة، خصوصاً أن قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها القوة الكردية هي من يسيطر على مناطق داعش.

إخلاء أميركي

ولعل طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب قواته من سوريا، أصاب بقية القوات في مقتل، خصوصاً أن الجميع يعلم أنه ما من أحد قادر على قيادة التحالف ضد داعش سوى الولايات المتحدة، وبالتالي خطر ترك الساحة السورية من دون إيجاد حالة من الحكم سيكون له تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار.. وستتحول كل هذه القوات من دون الولايات المتحدة إلى قوات عسكرية من دون استراتيجية.

ويرى ناشطون أن قوات سوريا الديمقراطية هي التي قاتلت وهزمت داعش، لكن في نفس الوقت لا تريد هذه القوى المحلية أن تكون السيطرة لقوات سوريا الديمقراطية، لكن المشكلة في ذات الوقت عجز هذه القوى عن إدارة مناطقها، فضلاً عن مخاوف عودة التنظيم مرة أخرى إلى هذه المناطق.

الواقع يشير إلى أنه ليس المهم بقاء هذه القوات، لكن الأكثر أهمية أن تقوم الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى تشكيل نموذج حكم محلي في تلك المناطق يقوم على حفظ الأمن والاستقرار، وهذا لن يكون إلا بمشاركة كل القوى المحلية على الأرض.

إعادة الإعمار

ويرى مراقبون أن القضاء على تنظيم داعش لن تكون مهمة سهلة، فهذا التنظيم تغلغل في الأوساط العراقية والسورية على مدار 4 سنوات. وهناك تحد كبير في إنقاذ هذه المجتمعات التي رزحت تحت حكم التنظيم. إن إعادة الإعمار في تلك المناطق كفيلة بوأد هذا التنظيم فكريا بشكل نهائي، ذلك أن البناء الذي تعهدت به أميركا وتوقفت من شأنه أن يجعل الجميع يرى الفرق بين داعش وما بعد داعش.

سوريا تدخل مرحلة «الاغتيالات» إثر هدوء الجبهات

شهدت سوريا، بدءاً من الصيف الماضي، حملة واسعة من الاغتيالات لشخصيات عسكرية وقيادية في المعارضة السورية المسلحة وصلت حتى المتواجدين داخل الأراضي التركية، حيث تم تصفية العديد من القادة العسكريين المعارضين من منطقة حماة، واستمر مسلسل الاغتيالات في الداخل والخارج السوري بحق القيادات العسكرية حتى خمدت كل الجبهات، إلا أنه لم يتم فتح أي تحقيق جنائي في الأمر.

ويرى مراقبون أن هذه الاغتيالات تدخل ضمن مخططات إقليمية وهي بطبيعة الحال مرتبطة بالتطورات العسكرية على الأرض، فيما فسر البعض انتشار ظاهرة الاغتيالات في صفوف المعارضة بأنها تأتي ضمن مرحلة التصفيات التي تعقب الحرب ونهاية مسار الأزمات.

ورأى محللون أن التصفيات عادة ما تشمل أطراف الصراع، إذ إن البعض منها يأتي من الخارج، فيما البعض الآخر يكون من داخل المنظومة أي ما يسمى بصراع أجنحة ودفن الحقائق.

معسكر النظام

لكن مسلسل الاغتيالات انتقل مؤخراً إلى الجهة الأخرى، إلى مناطق النظام السوري. فقد أعلنت وسائل إعلام سورية، اغتيال مدير مركز البحوث العلمية، عزيز أسبر، في مدينة مصياف جنوب غربي محافظة حماة السورية، بتفجير عبوة ناسفة استهدفت سيارته ما أدى إلى مصرعه مع سائقه.

وقالت صحيفة الوطن الموالية للحكومة السورية، إن رئيس مركز البحوث العلمية السوري، الذي تقول دول غربية إنه ضالع في برنامج أسلحة كيماوية، قتل عندما انفجرت سيارته.

وعزيز أسبر هو مدير مركز البحوث العلمية في بلدة مصياف القريبة من مدينة حماة، وتقول حكومات غربية إنه منشأة سرية لإنتاج السلاح الكيماوي.

ورحب وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتز، بمقتل أسبر، لكنه رفض التعليق على التقارير التي تفيد بأن إسرائيل تقف وراء الانفجار.

سيناريو العراق

وتشير تقارير حصلت عليها «البيان» من مصادر خاصة إلى أن مرحلة التصفيات في سوريا بدأت بعد أن وضع الصراع العسكري أوزاره في سوريا. وأكدت المصادر، أن هناك العديد من التصفيات «الاغتيالات» جرت بحق ضباط سوريين بعيداً عن وسائل الإعلام، مشيراً إلى أن هذه الاغتيالات استهدفت كل من يعمل في مجال الأسلحة الكيماوية.

من جهته، قال ضابط منشق عن فرع الأمن السياسي في سوريا -فضل عدم الكشف عن اسمه- إن المرحلة الحالية في سوريا هي مرحلة التصفيات الجسدية، باعتبار أن الصراع الكبير في سوريا انتهى إلى حد بعيد. وأضاف، أن ما يجري في سوريا يشبه ما جرى في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، إذ جرى تصفية العديد من الضباط العراقيين وخبراء الأسلحة والعلماء من أجل إنهاء قوة العراق العسكرية والعلمية. معتبراً الحكم على الجهة التي تنفذ الاغتيالات أمراً مبكراً؛ نظراً لتشابك الصراع في سوريا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

Email