بايدن.. إعادة البناء تحتاج وقتاً ورصيداً سياسياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف أن بناء مسكن جديد بدلاً من المتهالك يحتاج إلى تنظيف المكان من الركام، ويتطلب الإعداد وقتاً يعتمد على حجم الركام. هذا ما يحدث في السياسة أيضاً، وبخاصة حين يتعلق الأمر بقيادة دولة بحجم الولايات المتحدة وقوتها ونفوذها وتأثيرها، وارتباط الأمن والسلم الدوليين بها، على نحو كبير. عندما يتعلّق الأمر بالعلاقات الأمريكية مع دول بقوة روسيا والصين، وكيانات بحجم الاتحاد الأوروبي، وملفات بتعقيدات الملف الإيراني وأزمات الشرق الأوسط، فإن الأمر ينبئ بسياسات متوقّعة، وأخرى ربما غير متوقّعة، إذ إن بعض خطوط المنحنى في السياسة الأمريكية تواصل سيرها بمعزل عن الجالس في البيت الأبيض.

صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية كتبت في تقرير صدر اليوم، ونقله موقع «صدى السعودية»، أن محاولة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لاستعادة القيادة الأمريكية ستتطلب وقتاً ورأسمال سياسياً، في الوقت الذي أصبح الدور العالمي للقوة العظمى موضع شك في الداخل والخارج.

وفي تقرير نشرته اليوم، تتساءل الصحيفة عما يمكن أن يقدمه بايدن للعالم من تعديل أو إضافة، لا سيما بعدما تعهّد بوضع حد لنهج الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، والذي وصفه بايدن مراراً بـ «الانعزالي والمربك للعلاقات العالمية».

الشرق الأوسط

بخصوص الشرق الأوسط، لا توجد ظروف أفضل بالنسبة لبايدن لكي يبدأ ولايته الرئاسية بأقلّ صداع رأس ممكن من منطقة شغلت السياسة الخارجية الأمريكية على مدار عقود. الأوضاع في هذه المنطقة ليست هادئة تماماً، لكنها ليست مشتعلة بالشكل الذي ميز حقبة ترامب.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء لسيث جي فرانتومان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، يقول هذا الأخير إنه «مع اقتراب تولي إدارة بايدن زمام الأمور، تقوم العديد من الأطراف المتحاربة بتخفيف من حدة نشاطها، في توقع لدور أمريكي أكثر نشاطاً في المنطقة». ويصف المحلّل السياسي ما يجري في الشرق الأوسط حالياً بـ «حالة من الوفاق».

وعودة إلى «فايننشال تايمز»، فهي تلقي الضوء على تعهّد بايدن بالعودة للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، إذا عادت طهران إلى الامتثال لبنود الاتفاق من أجل كبح طموحاتها النووية. كما تعهد بإعادة وتعزيز العلاقات مع حلفاء واشنطن التقليديين، عرباً وغير عرب.

لكنه أعادت التذكير بأن إدارة بايدن ترغب -مثل ترامب- في إنهاء الحروب الأمريكية. لكن بايدن لن يعيد السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب، وليس لديه أي خطط للضغط من أجل حل الدولتين، إذ إن أولويات سياسته الخارجية تكمن في مكان آخر، وفقاً لما أوضح كبار مستشاريه.

وفي حين يُستبعد أن يسمع الدبلوماسيون عبارة «أمريكا أولاً» لفترة من الوقت، تقول الصحيفة إن أمام بايدن تحديات تشمل مواجهة الصين، ومعالجة ملف الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة ضبط العلاقات مع أوروبا، والتعامل مع تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «البريكست» على علاقات الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة.

الاتحاد الأوروبي

سياسة إدارة ترامب تجاه أوروبا قامت عموماً على «التجاهل»، وفي هذا الخصوص، أوضحت الصحيفة أن بايدن أبدى حرصه على إعادة بناء التحالفات مع أوروبا. فبايدن الذي يفتخر بتراثه الأيرلندي ألمح إلى عزمه الحياد عن عداء ترامب العلني للاتحاد الأوروبي ودعم حلف الناتو العسكري بشكل قوي.

الصحيفة أشارت إلى حقيقة أن بايدن يعارض البريكست، على الرغم من قبوله للعملية كأمر واقع بعد خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في يناير الجاري.

مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أبدوا ابتهاجاً ربما غير مسبوق بتنصيب رئيس أمريكي جديد، إذ وصفوه بأنه «فجر جديد» لأوروبا والولايات المتحدة، بعدما عمل ترامب على تهميش الاتحاد الأوروبي وناصر خروج بريطانيا منه، وفقاً لما نقلت اليوم السابع.

أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية للبرلمان الأوروبي، أبدت سعادتها بانتهاء سياسة «أمريكا أولاً» التي انتهجها ترامب. وقالت اليوم في تصريحات نقلها موقع «لومازوما» الإخباري، إن «هذا الفجر الجديد الذي يبزغ في أمريكا هو اللحظة التي كنا ننتظرها»، مع أنها حذرت من أن «هذا الشعور بالارتياح... يجب ألا يقودنا إلى أوهام. ترامب سيكون من التاريخ خلال بضع ساعات، لكن أنصاره باقون».

ويقول شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي: «اليوم هو أكثر من مجرد انتقال. اليوم فرصة لإعادة الحيوية للعلاقات عبر المحيط الأطلسي، والتي تضررت بشدة في الأعوام الأربعة الماضية. خلال هذه الأعوام، أصبح العالم أكثر تعقيداً وأقل استقراراً، وأصبحنا أقل قدرة على التنبؤ».

روسيا والصين

وفيما يخص روسيا، تعهد بايدن مراراً بتشديد موقف الولايات المتحدة تجاهها، إذ يعتبر أن موسكو «تنتهك المعايير الدولية»، ولا يتردد في وصف سياسات موسكو بـ«العدوانية»، متعهّداً أكثر من مرة بالوقوف إلى جانب المجتمع المدني الروسي ضد ما يسميه «النظام الاستبدادي الفاسد». لكن رغم كل ذلك، تقول «فاينانشيال تايمز» إنه سيتعين على بايدن أن يفتح بسرعة مفاوضات مع موسكو لتمديد معاهدة «ستارت» الجديدة لخفض الأسلحة النووية قبل أن تنتهي في 5 فبراير القادم.

وبالنسبة للصين، فقد وصف أحد مستشاري بايدن أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب بأنها «الصين. الصين. الصين. ثم روسيا». وفي هذا، ترى «فاينانشيال تايمز» أن بايدن سوف يرث ملف سياسة خارجية أولى إلى بكين اهتماماً أكبر بكثير مما كان عليه خلال رئاسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأنه سيحافظ على وجود عسكري أمريكي قوي على أعتاب الصين.

ويعتقد خبراء أن الصين ستتنفس الصعداء في ظل قيادة بايدن، في حين يأمل الأوروبيون في خطاب علني أقل عدوانية مما كان عليه خلال سنوات ترامب.

من المؤكد أن بايدن سينقلب على سياسات ترامب، لكن ليس في كل الملفات، وقد يتفاجأ كثيرون أن بعضاً من القرارات والإجراءات التي اتخذها ترامب والتي عارضها بايدن في حينه، لن يجري المساس بها.

Email