العلم الأمريكي يرفرف في موقع حاويات لبضائع صينية بميناء لوس أنجليس / أ.ف.ب

أمريكا تطلق تحالفاً ضد الصين.. ما هي خيارات «الرأسمالية»؟

ألقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في لندن، خطاباً مفعماً بـ«المبادئ» في إطار دعم الخطوات البريطانية الأخيرة ضد الصين.

فقد وجّه كلامه للدول التي تدرك «معاني الحرية والديمقراطية» أن تنضم إلى المعركة ضد ما أسماه «التهديد الصيني»، مستعيداً مصطلحات كانت ترمز للمعسكر الغربي خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.

وكما كان متوقعاً، فقد أعلن بومبيو من لندن الخطوة العملية الأولى في حشد الدعم الدولي ضد الصين، حيث لم يكن بالإمكان الإعلان عن مثل هذه الخطوة بدون انضمام دولة كبيرة مثل بريطانيا. وقال بومبيو وبجانبه نظيره البريطاني دومينيك راب: «نأمل في تشكيل ائتلاف يتفهم التهديد ويعمل بصورة جماعية لإقناع الحزب الشيوعي الصيني بأن مواصلة هذا السلوك ليست في مصلحته».

انضمت بريطانيا إلى التحالف الأمريكي المناهض للصين، وهو تحالف غير رسمي حتى الآن، تدور في فلكه دول معنية مباشرة بالسياسات الصينية، مثل أستراليا القلقة من التمدد الصيني إلى جنوب المحيط الهادي، وكوريا الجنوبية واليابان، جارتا الصين، والفلبين وفيتنام وتايوان، وهي دول معنية بنفوذ بكين في بحر الصين الجنوبي.

لكن المساعي الأمريكية لبناء تحالف قائم على المبادئ الحقوقية والقيم المشتركة، يواجه تحدياً كبيراً، ذلك أن العالم بات يسير وفق منهجية مختلفة منذ تدشين النظام العالمي الجديد عام 1991، وتداخلت المصالح الاقتصادية بين الدول ولم تعد القيم المشتركة «الدستورية» تلعب دوراً بارزاً في العلاقات الدولية، وهذا المسار ينطبق على الولايات المتحدة نفسها بالنظر إلى حجم الارتباط الوجودي بين اقتصادها المحلي واقتصاد الصين.

لذا، لن يكون من السهل على واشنطن أن تحشد دولاً مثل فرنسا وألمانيا وبقية الدول الغربية، في «معركة القيم» التي ربما لم يعد لها مكان في العلاقات الدولية بعد أن تحوّلت «أرباح الربع التالي» إلى محور البرامج السياسية في دولة عظمى مثل الولايات المتحدة.

تكاليف باهظة

ويتضح جانب من صعوبات شن مواجهة شاملة، عدا الجانب العسكري، ضد الصين، لدى مراجعة أرقام الارتباطات المالية بين لندن وبكين على سبيل المثال. وبما أن الصين تحفظ جيداً النقطة الموجعة لدى خصومها، وهي سوقها الاستهلاكية العملاقة للرأسمالية، فإنها هددت بريطانيا بحرب اقتصادية تكلفها مليارات الدولارات.

وحذرت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية من أنه «لن يكون أمام بكين خيار سوى ضرب شركات بريطانية مثل اتش اس بي سي وجاغوار لاند روفر».

وبحسب رصد إحصائي نشرته وكالة فرانس برس، صدرت بريطانيا إلى الصين العام الماضي، سلعاً وخدمات بقيمة 30,7 مليار جنيه (33,9 مليار يورو).

وفي مقال نشرته الثلاثاء صحيفة «فايننشال تايمز» رأت كارولين فيربيرن المديرة العامة لاتحاد الصناعات البريطاني أن الوقت غير مؤاتٍ لبريطانيا «لقطع الجسور مع الصين» الشريك التجاري الأساسي الذي يؤمن كثيراً من الوظائف في البلاد.

كان الذهب والمنتجات النفطية والسيارات والأدوية السلع البريطانية الأكثر شراء من الصين العام الماضي. ومثلت هذه القطاعات الأربعة 66% من صادرات بريطانيا وفقاً لمصلحة الضرائب والجمارك البريطانية.

وتعتمد مجموعات كبرى على السوق الصينية. وينطبق ذلك على «استرا زينيكا» للأدوية التي تحقق 20% من رقم أعمالها في الصين ثاني سوق لها بعد الولايات المتحدة. وتؤمن السوق الصينية 20% من مبيعات سيارات جاغوار ولاند روفر.

الرأسمالية مع الصين؟

تجاهل بنك «اتش اس بي سي» الذي يوظف في هونغ كونغ 30 ألف شخص، الاعتبارات القيمية والسياسية الليبرالية، واختار الدعم العلني لقانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ. وليس مستبعداً أن يكون منافسه «ستاندرد تشارترد» قد اتخذ السبيل ذاته في الانحياز للأرباح.

هذه المعضلة تمتد لمعظم الشركات الكبيرة متعددة الأسواق، وهذا تباين أساسي بين الحرب الباردة والمشهد الحالي الذي لم يطلق عليه اسم بعد. فخلال مواجهة الاتحاد السوفييتي، كانت الرأسمالية متكاتفة إلى جانب الخطاب السياسي الليبرالي المتمحور حول الحريات السياسية والانفتاح الاقتصادي، لكن في المعركة الحالية، فإن معظم ممثلي الرأسمالية الفعليين يجدون أنفسهم خارج التحالف العالمي الذي تسعى إليه واشنطن طالما أن «الأرباح» في العالم تتمركز في مناطق الهيمنة الصينية.

الأكثر مشاركة