التحركات الأمريكية ضد الصين.. هل فات الأوان؟

حاملة طائرات أمريكية في المحيط الهادئ / أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

استهلّ وزير العدل الأمريكي، وليام بار، يومه بزيارة متحف جيرالد آر. فورد الرئاسي في ميشيغان، ومن هناك وقف ليوبّخ الشركات الأمريكية المتعطشة للفوز بصفقات مع الصين، الخصم الأبرز للولايات المتحدة في الصراع على موقع القوة العظمى.

غير أن التوبيخ لم يقتصر على الشركات فقط، بل على الأسلوب الأمريكي نفسه في التفكير، والتي لا تصلح على ما يبدو للفوز في منازلة مع الصين. ففي معرض انتقاده لشركات تعد علامة التفوق الأمريكي غير العسكري، مثل أبل وغوغل ومايكروسوفت وهوليوود ووالت ديزني، لتعاونها مع الصين وتقديمها تنازلات على حساب المبادئ، فإن بار صاغ جملة مفصلية تشكل جذر المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، وقال وزير العدل: «يفكر الحزب الشيوعي الصيني لعقود وقرون، بينما نميل نحن للتركيز على تقرير أرباح الربع التالي».

أرباح

تلخّص مقولة وزير العدل الأمريكي، جانباً رئيساً من مشكلة الولايات المتحدة اليوم. فقد بدأت الولايات المتحدة توسيع نفوذها و«رسالتها» بشكل فعّال منذ نشر مبادرة وودرو ويلسون في عام 1918، لتحديد ملامح إعادة بناء خرائب الحرب العالمية الأولى.

في الرسالة التي صدّرتها أمريكا عن نفسها للعالم، أنها تفكّر لعقود وقرون، بينما يميل البقية إلى التركيز على الحسابات المالية، أي عكس ما باتت عليه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بحسب توصيف وزير العدل.

تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مليئة بالحديث عن «أرباح الربع الماضي من السنة»، ودخلت كلمة الأرباح قاموس الرئاسة الأمريكية بشكل غير مسبوق لدرجة طغت على المبادئ المعلنة (سواء كانت مجرد قشرة للتغطية على التوسع أو هواجس حقيقية)، لكن الشركات الأمريكية الكبرى قد سبقت الرئاسة بسنوات طويلة في البحث عن الربح والدخول في صفقات تخرق مبادئها المعلنة. فبينما كان التنافس داخل الولايات المتحدة، والفرص المتاحة للجميع على قدر من المساواة، قد صاغت ما سمي «الحلم الأمريكي»، فإن انتقال الشركات إلى خارج أمريكا، قد حوّل فعلياً الحلم الأمريكي نفسه إلى خارج أمريكا، وبات هذا الحلم متموضعاً في الصين.

هذا جانب من معضلة تسود عدداً من بلدان المنظومة الغربية، وهي تقدّم الرأسمالية الكلاسيكية على الليبرالية، لدرجة باتت الأخيرة كحاملة للمبادئ السياسية والحقوقية، تابعة منذ زمن بعيد للرأسمالية، لكن الهوة باتت شاسعة في السنوات الأخيرة، لدرجة تكاد الليبرالية المهمّشة، بنسخها العديدة، أن تصبح المعارضة السياسية الرسمية بخروجها من القيادة، وتحولها إلى مرتع لحركات بيئية وحقوقية.

هل فات الأوان؟

تتحرك الولايات المتحدة على جبهات عديدة لمحاصرة الصعود الصيني، والملفات الباقية بين يديها قليلة للغاية بعد إحكام الصين قبضتها على هونغ كونغ حين كانت واشنطن تحصي «تناقص الأرباح» في ظل وباء «كورونا». لكن ربما فات الأوان على ذلك بسبب تراكم أخطاء التعامل مع الصين من جانب الإدارة الأمريكية، فالتصدعات التي تسبب فيها ترامب مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى تعوق تحقيق موقف موحد.

وفي تقرير لوكالة بلومبرغ، اليوم، يقول بيتس جيل، وهو أستاذ لدراسات أمن آسيا- الباسفيكي بجامعة ماكواير في سيدني، إن الأسس الرئيسية لإرساء مثل هذه الاستراتيجية - وهي العمل على أساس متعدد الأطراف، واحترام الحلفاء، والالتزام بمجموعة من السياسات المدروسة التي يمكن الاعتماد عليها والتنبؤ بها، والتي توحد الوسائل والأهداف - ليست جزءاً من برنامج هذه الإدارة (الأمريكية).

وطوال مدة كبيرة من فترة رئاسة ترامب، تجنب انتقاد الصين فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو يتحول ما بين إعلان حرب تجارية والإعراب علانية عن إعجابه بالرئيس الصيني.

وأدت السياسات المترددة والخطوات المتضاربة للبيت الأبيض تجاه إعادة تموضع القوة العالمية العظمى، إلى افتقاد الولايات المتحدة سياسات هجومية ودفاعية معاً، وقامت بإخلاء ساحات للصين بنفسها، بدون حسابات استراتيجية، ذلك أن أمريكا أيضاً قد وقعت في المطب الذي شخّصه وزير العدل، أي حساب التكلفة اليومية لانتشار الجنود ووجود القواعد في الخارج. وعليه، في حال كان الأوان قد فات فعلاً، لا يبقى أمام واشنطن سوى ما اقترحه شين شيشون، وهو أحد كبار الباحثين بمعهد الصين للدراسات الدولية التابع لوزارة الخارجية الصينية: أن تعد الولايات المتحدة نفسها عقلياً لصعود نجم الصين.

Email