التنين الصيني في مواجهة النسـر الأمــــريكي لإنهاء القطب الواحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد 28 عاماً من تحول النسق العالمي من نظام ثنائي القطبية، إلى النسق الأحادي بتفكك الاتحاد السوفييتي إلى 15 دولة، وقيادة أمريكا العالم بشرعنة الهيمنة دون أن يشعر بها أحد، شرعت قوة أخرى يغلب عليها طموح قادم من أقصى الشرق لامتلاك العالم نفسه الذي وقع في قبضة القطب الأوحد.

حيث بدأ انبعاث ضوء لنظام عالمي جديد استكمل ضرورات ولادته متمثلاً في الصين التي تسعى إلى الصعود في صمت دون الانقلاب على النظام الدولي، وهدمه بل إلى السيطرة الناعمة عليه وزيادة حجم مشاركتها فيه باستمرار من خلال بناء اقتصاد قوي يصنع قوة عسكرية مؤثرة. كان العالم ينتظر تغير الصين، فإذا بها هي من يقود التغيير والعالم إلى مرحلة جديدة.

فقد بدأت الصين في التمدد الخارجي حماية لمصالحها، كما أن اقتصاد بكين القوي وخبراتها العلمية والتقنية الكبيرة يمكنها من مضاعفة نفوذها السياسي في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي ينعكس سلباً على المصالح الأمريكية خصوصاً في منطقة المحيط الهادئ وأفريقيا.

تقوم الاستراتيجية الصينية في الأساس على عامل الزمن ولا يتعجلون في مزاحمة أمريكا في ريادة العالم، على اعتبار أن واشنطن تتحمل العبء الأكبر في التصدي للمشكلات الدولية، الأمرالذي استنزف قواها في ظل التقصير في مجال تنمية نِظام عالَميّ أكثر تعاوناً وأكثر انسجاماً، وتعميم النزاعات بدلاً من احتوائها أو إطفاء نيرانها.

حيث كان وصول الأمريكان إلى القمة مؤذنًا ببداية تراجعهم، ويؤكد محللون أن سياسة القطب الواحد أوقعت العالم في أزمات لا ينتهي، أما العودة لسياسة القطبين ففيها تعقل وعدم تفرد بشؤون العالم. وتحاول الصين من خلال الأمم المتحدة لعب دور أكبر في تناول المسائل والقضايا الدولية لانهاء القطب الواحد. تقويض النفوذ

العولمة التي اخترعتها امريكا لترسيخ هيمنتها على العالم استغلتها قوى أخرى (على رأسها الصين) كأداة لتقويض النفوذ الأمريكي من داخل هذا النظام. وقد اعترف أمريكيون بأن بلادهم تسير في طريقها إلى التراجع، وهم يقومون بوضع استراتيجيات جديدة تضمن على الأقل أن تكون بلادهم إحدى القوى المسيطرة على العالم.

فقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في كتابه «النظام الدولي»، أن مرحلة انتقال النظام الدولي من نظام إلى آخر، تختفي فيها الضوابط ويصبح الميدان مفتوحًا لأكثراللاعبين عنادًا.

مصالح مشتركة

ويتواصل نمو نفود بكين في آسيا و أفريقيا على المستوى العالمي، فالمتابع للشأن الصيني يرى بأن نظرية الصعود السلمي للصين أو الصعود المنظم الهادئ هو اقرب ما يمكن وصف حالة الصين في الوقت الحاضر، فهي تتبع سياسات هادئة وهادفة تقوم على فكرة انتشار المصالح، حيث فتحت صدرها للعديد من الدول التي تعاني من مصاعب اقتصادية أو محاصرة سياسياً واقتصادياً.

وفي ذات الوقت مدت جسورها الاقتصادية إلى داخل أوروبا، فيما استغلت الظروف العالمية الراهنة وغفلة الإدارة الأمريكية عن أفريقيا لتجتاحها ببضائعها وشركاتها الضخمة في مجال التجهيز والطاقة.

وتُعَد مبادرة الحزام والطريق (المعروفة سابقاً باسم حزام واحد وطريق واحد) انعكاساً صادقاً لاختيار الصين الإستراتيجي تعزيز روابطها التجارية مع آسيا وأفريقيا للهيمنة على العالم. وبالتوازي مع النظام المالي الجديد، شرعت الصين في إنشاء نظام للأمن الجماعي العالمي ت وهي منظمة شنغهاي للتعاون.

وهو حلف عسكري يضم كلًا من روسيا وكازاخستان وباكستان والهند وقيرغيزستان وأوزباكستان وطاجكيستان، وكان ذلك مصحوباً بتطوير قدراتها النووية العسكرية. كما أنها تتجه لتكون قوة اقتصادية أولى في العالم، يرى الباحثون أنه إذا استمرت معدلات النمو على هذا المنوال فإنها سوف تصبح القوة الاقتصادية في العالم بحلول 2025.

تغيير المعادلة

ووفق هذه التطورات، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم ولن تقبل بتغيير المعادلة لصالح دولة غيرها لتكون القوة العظمى الأولى في المنطقة، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، حيث تشهد العلاقة بين واشنطن وبكين حالياً موجة جديدة من التصعيد السياسي والاستراتيجي، خصوصاً من الجانب الأمريكي، وعلى الرغم من أن هذا التصعيد ليس جديداً عن سابقاته خلال العقد المنصرم على الأقل.

ولكن من حيث الشكل قد يكون الأكثر حدّة لكن لن يصل إلى الحرب فأمريكا اليوم تحتاج إلى الصين بقدر ما تحتاجها الصين، وستكون تكاليف أي صراع وفوضى باهظة وقاسية على بكين وواشنطن على حد سواء. فهناك توترات وخلافات جوهرية يقابلها وجود مصالح مشتركة. لذلك فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعامل مع الصين بلطف.

وعلى النقيض من خطاب حملته، تواصلت إدارته مع الصين باعتدال، مع التركيز بشكل أساسي على إقامة علاقة شخصية جيدة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومحاولة الحصول على المساعدة الصينية لإدارة الطموحات النووية لكوريا الشمالية.

ولكن في نفس الوقت تحاول أمريكا اتباع سياسة تصعيدية من خلال تطويق الصين على جميع المستويات، للحدّ من قوة اقتصادها المتنامي، من خلال تعزيز حضورها السياسي والاستراتيجي في الجوار الصيني إلا أن بكين حريصة على طمأنة العالم أن صعودها لا يهدف للسيطرة.

حرب تجارية

وبعدما أيقن الأمريكيون استحالة تضييق الخناق على الصين سياسياً لجأوا إلى الجانب الاقتصادي فما أقدم عليه ترامب لم يقر به أي من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الذين اكتفوا بالتلويح بإجراءات عقابية، لكن ترامب دخل فعلاً في حرب تجارية مع الصين حيث وقع في 22 مارس 2018 قرارًا يسمح لبلاده بفرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 60 مليار دولار.

ترامب: أنا «الشخص المختار» لمواجهة الصين

 

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه «الشخص المختار»، وهو يدافع عن حربه التجارية على الصين، مشيراً إلى أن قدره هو أن يواجه بكين. وقال ترامب، في أغسطس الماضي، إن أسلافه من الرؤساء سمحوا بإساءة استغلال الولايات المتحدة في التجارة وفي حقوق الملكية الفكرية، وإن القدر اختاره هو ليصلح ما أفسدوه من ضرر.

وأكد الرئيس الأمريكي للصحافيين في البيت الأبيض: «هذه ليست حربي التجارية. هذه حرب تجارية كان ينبغي أن يشنها، قبل وقت طويل، رؤساء آخرون كثيرون من قبلي». وأضاف ترامب: «كان على شخص ما أن يتولى تلك المهمة»، ثم رفع رأسه إلى السماء ونظر إلى الأعلى وقال: «أنا الشخص المختار». واشنطن-وكالات

شي جين بينغ: لا نخشى المواجهة مع أمريكا

أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في سبتمبر الماضي أن بلاده ترغب بالتوصل إلى اتفاق تجاري مبدئي مع الولايات المتحدة لكنها «لا تخشى» المواجهة إذا اندلعت أي حرب تجارية.

وقال شي لمسؤولين أمريكيين سابقين وغيرهم من كبار الشخصيات الأجنبية في بكين: «سنخوض المواجهة عند الضرورة لكننا نعمل بشكل نشط من أجل عدم اندلاع حرب تجارية»، مضيفاً «نريد العمل باتجاه اتفاق مرحلة أولى قائم على الاحترام المتبادل والمساواة. بكين- وكالات

بوتين: تكتيكات أمريكا مع الصين عدائية

 

قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إن تكتيكات أمريكية مع الصين عدائية مثل شن حملة على شركة الاتصالات «هواوي» ستفضى إلى حروب تجارية وربما حقيقية، وذلك في بادرة تضامن مع الصين ورئيسها «شي جين بينغ».

واتهم بوتين، خلال منتدى اقتصادي في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، واشنطن بأنها «أنانية اقتصادية منفلتة»، وأشار تحديداً إلى مساعيها لحمل الشركات على منع «هواوي»، أكبر مصنع لمعدات الاتصالات في العالم، من توريد أجهزة الشبكات.

وقال: انظروا على سبيل المثال إلى الوضع في ما يتعلق بـ«هواوي» التي لا يحاولون مزاحمتها فحسب، بل وإخراجها بشكل غير رسمــي من السوق العالمية. موسكو-وكالات

ماكرون: نحو نهاية عصر الهيمنة الغربية

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن نهاية هيمنة الحضارة الغربية حلت، في ظل التغيرات الجيوسياسية وصعود الصين ، مشيرا إلى أن إن أوروبا لن تستجيب للضغوط الأمريكية من أجل حظر شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول من إنتاج «هواوي» الصينية.

وأوضح ماكرون في اغسطس الماضي «من وجهة نظرنا لا يجب حظر»هواوي«ولا أي شركة أخرى.. فرنسا وأوروبا واقعيون. نحن نؤمن بالتعاون والتعددية.، كما نتعامل بحذر بشأن التكنولوجيا الجيدة». باريس- وكالات

ميركل: لا بد أن تنتهي الأزمة

أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عن رغبتها في أن تنتهي الأزمة التجارية القائمة منذ فترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

وقالت ميركل ‏في خلال اجتماعها مع رئيس مجلس الدولة الصيني لى كه تشيانج ‏ في العاصمة الصينية بيكين في سبتمبر الماضي، إن الأزمة التجارية الممتدة بين أكبر اقتصادين في العالم تؤثر على دول أخرى كذلك. ‏

وأكدت أن العلاقات الصينية- الألمانية تقوم على أرضية صلبة، وبالرغم من وجود بعض النزاعات، فقد حقق الجانبان بعض التقدم في معالجتها. برلين- وكالات

طريق الهيمنة التفوق الاقتصادي والتكنولوجي

تدرك الصين تماماً أن التفوق التقني والاقتصادي هو الطريق القادم في المستقبل للسيطرة والهيمنة على العالم، إذ بدأ نظام اقتصادي جديد يتشكل مع مضي الصين قدماً في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق التي لاقت تجاوباً ومشاركة واسعة من نحو 65 دولة مطلة على هذا الطريق.

وتُعدّ مبادرة الحزام والطريق (المعروفة سابقاً باسم حزام واحد وطريق واحد)، التي وصفها شي جين بينغ بأنها «مشروع القرن»، انعكاساً صادقاً لاختيار الصين الاستراتيجي تعزيز روابطها التجارية مع بقية أوراسيا وأفريقيا، واغتنام الفرصة لتعزيز تراكم «القوة الناعمة»، وينقسم مشروع طريق الحرير إلى «طريق بري» (الحزام الاقتصادي)، وطريق الحرير البحري للقرن 21.

وتضمن استثمارات بقيمة 5 تريليونات دولار، منها 43% في قطاعات الطاقة، و41% في قطاع النقل السككي، و6% مجمعات صناعية، و2% طرقاً، و3% موانئ، و5% معدات.

وقد أشار عدد من الدبلوماسيين نجاح المشروع في تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون، ممر بنغلاديش - الصين - الهند - ميانمار، ممر الصين - باكستان الاقتصادي، شبكة يوكسينا للسكك الحديدية التي مدّتها الصين من تشونغ تشينغ إلى ألمانيا، ومنها إلى موانئ شمال أوروبا، وممرات الطاقة الجديدة والقديمة بين الصين وآسيا الوسطى.

المرتبة الأولى

خلصت مؤسسة بحثية أسترالية في سيدني تسمى معهد ليفي إلى أنه في حين أن أمريكا لا تزال مهيمنة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن الصين ستصبح في المرتبة الأولى بحلول عام 2030.

ويعد اقتصاد جمهورية الصين الشعبية ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة، إذ يعتبر أسرع اقتصاد كبير نامٍ والأسرع في الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي يتخطى 10%، فبكين أكبر مصدّر وثاني أكبر مستورد في العالم. يعتبر الاقتصاد الصيني أكثر تنظيماً من نظيره الأمريكي.

كما أن الأسواق الصينية أكثر تماسكاً من نظيرتها الأمريكية، ففي الوقت الذي يمارس فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسات حمائية تقوم على العشوائية، تنتهج الصين سياسة حكيمة فيما يتعلق بردود الأفعال، إذ يحكم ذلك خطط واستراتيجيات طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار معدل النمو وحجم التضخم ونسب البطالة في البلاد.

الجيل القادم

الصين تنتج وتسجل نصف مليون براءة اختراع سنويا، وهي تؤمن بأن الدور العسكري هو دور روسيا، لكنها تعزز ترسانتها العسكرية بصواريخ متطورة، بالتالي لديها أيضاً صناعات عسكرية وتكنولوجية، وهناك توزيع أدوار، بالتالي هذا التنسيق بين الصين وروسيا تفتقده أمريكا، وفي مجال التكنولوجيا يبرز دور هواوي في تطوير الجيل القادم من تكنولوجيا 5G للهواتف المحمولة.

فقد بدأت شركةً تبيع محولات تبديل الهواتف، ثم بدأت لاحقاً في تطوير التكنولوجيا الخاصة بها. وبنت خبرتها في بناء شبكات الاتصالات في أفريقيا مستفيدة من استراتيجية الحكومة الصينية نحو التوسع بالخارج، وازدهرت بوصفها منتجاً وموزعاً لأجهزة الشبكات التي توفر جودة عالية بسعر رخيص.

وفي مجال 5G، تقدم هواوي الآن خدمات تتيح بناء شبكات عالية السرعة بسعر لا تستطيع الشركات الأخرى حتى التفكير في منافسته.

حظر

وبالنظر إلى هذا التطور، قرر ترامب حظر منتجات هواوي ثاني أكبر مصنعي الهواتف الذكية في العالم للولوج إلى السوق الأمريكية ومنع التعاون معها بأي شكل من الأشكال في الولايات المتحدة. وهدد بحرمانها من البرامج الأمريكية والمعدات التي تحتاج إليها لتصنيع منتجاتها. كما طالبت واشنطن الأوروبيين بالتخلي عن خدمات هواوي لإنشاء شبكات جيل خامس.

واتبعت الولايات المتحدة سياسة تحمل تهديداً باطنياً، إما أن تقبل الصين بالتفوق الأمريكي في آسيا، وإما أن تتحدى السيادة الأمريكية، ويعاني اقتصادها الركود، لكن الصين لم تأبه لهذه التهديدات، إذ أكدت أنها ستصمم برنامج تشغيل برامج خاصاً، حتى لا تكون تحت رحمة الشركات الأمريكية، وقامت فعلاً بعمل تطوير كبير لنظام أندرويد، إذ يمكنها استخدامه دون اللجوء إلى شركة غوغل مالكة النظام الأصلي.

الصين وأمريكا حليفان وعدوان

معركة كسر العظم بين أمريكا والصين ميدانها التكنولوجيا، حيث تبرز العداوة الناتجة عن تخوفات البلدين من التفوق التكنولوجي الذي يساهم في الهيمنة على العالم، لكن هناك تحالفاً استراتيجياً في السياسة الخارجية سيما وأن لديهم قلقاً مشتركاً من الإرهاب ومن التقدم النووي لكوريا الشمالية، فيما يختلفان في قضية بحر الصين وتايوان.

تمثل الأهداف الصينية من وراء سياستها الخارجية أن تكون سوقاً موجهة للعالم أو مصنعاً للعالم، إضافة لتحقيق درجة عالية من الصادرات التي تدر أرباحاً على الدولة الصينية.

وعملت الصين على استغلال سوقها الاستراتيجي لتوسيع الاستراتيجية نحو الخارج وتهدف بهذا التوسع إلى رفع ناتج الفرد من الناتج الإجمالي القومي ظلت القيادة الصينية، تضع مسألة إقامة علاقات صينية أمريكية طبيعية والحفاظ عليها وتطويرها في المقام الأول في سياستها الخارجية، وتعالجها كمسألة إستراتيجية تتعلق بالمصالح العامة.

لكن ذلك لا يعني تبدُّد المخاوف بين الطرفين، لا سيما الأمريكي فعسكرة بحر الصين الجنوبي، والرسائل العسكرية التي أطلقتها الصين على الطريقة الدبلوماسية، ليست إلا محاولة لترسيخ واقعٍ من القوة للصين، لن تكون واشنطن راضيةً عنه.

دور رئيس

وتلعب العديد من القضايا دوراً رئيساً في تحديد طبيعة وشكل العلاقات الصينية الأمريكية منها: أولاً: القضية التايوانية: تعد قضية تايوان إحدى بؤر التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية، فالصينيون لديهم حساسية خاصة فيما يتعلق بتايوان، حيث يعتبرونها جزءاً من الصين الواحدة ولا يمكن التفريط فيها.

فوجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها محصورة بين اتجاهين متعارضين، أحدهما يتعلق بدعم تايوان التي تشكل نموذجاً ناجحاً للديمقراطية في منطقة آسيا، أما الاتجاه الآخر فيميل نحو الجانب الصيني والمصالح المتزايدة والمتنامية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

وهو ما جعلها تتريث في اتخاذ أي قرارات أحادية، لكن طموحات الصين لتصبح قوة دولية عظمى ترتبط إلى حد كبير بما ستؤول إليه قضية تايوان، فإعادة هذه الجزيرة إلى الصين تعني مزيداً من القوة السياسية والاقتصادية، بينما تعني في الوقت ذاته تقلص الوجود والنفوذ الأمريكي في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.

أكّدت بكين استعدادها التعاون مع دول جنوب شرق آسيا بشأن مدونة سلوك في بحر الصين الجنوبي، حيث يتهمها جيرانها بالاستقواء وببناء منشآت عسكرية.

وتطالب بكين بالسيادة على الجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد الطبيعية والتي تؤكد دول أخرى عديدة مثل تايوان والفلبين وبروناي وماليزيا وفيتنام حقها في السيادة على بعض أجزائه. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد استراتيجية إحاطة الصين بالأعداء، وتحاول جرها إلى صراعات في مختلف دول العالم، فهي استخدمت أوراق الصراع الهندي ـ الصيني، والياباني ـ الصيني.

وكذا الكوري الجنوبي مع الصين، إضافة إلى ورقة تايوان للضغط على بكين. غير أن المتابع يلحظ أن الصين حققت نجاحات بارزة في كل ذلك، وربما لذلك عملت الولايات المتحدة على الاقتراب من الهند، وتطوير قدرتها على نحو يدفعها للصراع مع الصين على خلفية الخلاف التاريخي بين البلدين.

لي تشاو شينغ لـ« البيان »: الصين لا تريد فرض القوة مثل أمريكا

قال وزير الخارجية الصيني الأسبق لي تشاو شينغ في تصريح خص به «البيان» أن بلاده لا تريد فرض القوة مثل أمريكا، مشيراً إلى أن «أبرز ملمح للتنمية في الصين هو أنها سلمية». وأضاف: «إننا ننمي أنفسنا عن طريق السلام وليس عن طريق الاستعمار أو الاستئساد على الآخرين.

فالصين الصاعدة سلمياً لن تشكل تهديداً بل فرصة للدول المجاورة ودول العالم الأخرى». وتابع قوله: «إن الصين لم تحاول أبداً أن تصبح دولة مستبدة أو مهيمنة على الصعيد العالمي، بل اتخذت نهجاً قومياً جديداً يضع رخاء الشعب الصيني وشعوب العالم ضمن أولوياته».

وأوضح وزير الخارجية الاسبق أن الصين والولايات المتحدة تربطهما أيضاً مصالح متبادلة في منطقة آسيا - الباسيفيك. ويمكن للجانبين أيضاً أن يوسعا من التوافق وأن ينميا كافة أشكال التعاون عبر التشاور والتنسيق، مشيراً إلى أن تنمية علاقات صحية ومستقرة وتعاونية بين الصين والولايات المتحدة يتفق مع المصالح المشتركة للبلدين ويفيد السلام والتنمية في العالم.

وأضاف: «بكين تؤيد التعددية وتلتزم بالتعاون متعدد الأطراف، لأنه سبيل فعال للتعامل مع التحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية».

وذكر أن نهوضاً سلمياً للصين لن يمثل تهديداً ولكن فرصة للدول الأخرى في العالم، حيث تلتزم بكين بمفهوم جديد للأمن يركز على الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل والتشاور على قدم المساواة. وأشار إلى مبادرة الحزام والطريق الطريق والحزام التي تتخذ من التكامل بين الشعوب هدفاً للارتقاء باقتصادات الشعوب في مختلف مناطق العالم.

يكرام مانشاراماني لـ«البيان »: التنافس الأمريكي الصيني محفوف بالمخاطر

قال الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور فيكرام مانشاراماني، المحاضر بجامعة هارفارد، في تصريح خص به «البيان»: إن خيار اندلاع حرب بين الدولتين ليس وارداً، لكن البيئة الاستراتيجية الجديدة الناجمة عن التنافس الراهن بين واشنطن وبكين، ستكون حافلة بالمخاطر، وأشار إلى أن الصينيين يعانون من تباطؤ في النمو، وهم يصدرون إلى الولايات المتحدة أكثر مما يستوردون.

ولذلك فقد يتوجعون أكثر من الحرب التجارية. ولكنهم ليسوا حريصين على تغيير القوانين لديهم، وحتى إن فعلوا هذا، فهل لديهم القدرة القانونية على فرض ذلك؟

وتوقع انقسام العالم إلى معسكرين نظراً للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، مشيراً إلى تطوير الصين قوتها العسكرية بما يتناسب مع قوتها الاقتصادية المتنامية لكي تُعزّز قدرتها على الدفاع عن أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية.

وقال إن التمتع بنفوذ عالمي واسع يعني تحمُّل مسؤوليات دولية كبيرة. لكنّ الصين ليست مستعدّة لتحمّل مثل هذه المسؤوليات لأن أولوية بكين القصوى تتمثل بالحفاظ على نموّها الاقتصادي والسلم والاستقرار الإقليمييْن. ومع أنّ الصين تواصل صعودها، إلا أنها ستظلّ عاجزة عن الاضطلاع بالدور الذي تؤديه الولايات المتّحدة في الشؤون الدولية.

وأوضح فيكرام أن البعض يعتقد بأن دور الولايات المتّحدة في الاقتصاد العالمي في تراجع مستمر، وأنّ الصين تسير بخطى ثابتة نحو انتزاع الموقع القيادي العالمي من أمريكا. لكن هذا غير صحيح فإن الصين تشهد تباطؤاً في اقتصادها مع تراكم الديون، وأضاف: إذا ما حدثت أزمة خلال السنوات المقبلة فإن ذلك سيسهم في صعود الصين بشكل كبير على حساب مصالح الولايات المتّحدة.

شون كليري لـ« البيان »: نفوذ الصين المتنامي يقلق أمريكا

أكد الخبير الاستراتيجي شون كليري، نائب رئيس مؤسسة مستقبل العالم في تصريح خص به «البيان» أن النفوذ الصيني المتنامي يقلق أمريكا، التي تراجع حضورها الخارجي، وهو ما يؤشر إلى بداية انتهاء القطبية الواحدة في العالم، مشيراً إلى أن الصين باتت بلد يحسب له ألف حساب.

وقال: إن الصين والولايات المتحدة يتنافسان بشكل كبير في مجالات رئيسية مهمة في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومنها تكنولوجيا التعليم والتكنولوجيا الحيوية.

مشيراً ألى أن الاستثمارات التي يقوم بها الاثنان في منافسة محتدمة، وبقدر ما يحميان الاستثمارات الاستراتيجية لبعضهما بعضاً، من غير المرجح أن يشاركا كثيراً جداً أبحاثهما، لكن معظم الأطراف على المسرح العالمي يعترفون بأنه لا يمكننا الاستفادة من عصر الإنترنت إذا لم تكن لدينا قدرة تنافسية عالمية.

وأوضح كليري أن العراك من أجل التفوق التكنولوجي بين القوى العظمى سيؤثر على السياسات والاقتصادات عالمياً، حيث أصبح الاقتصاد الصيني ضخماً للغاية ومهماً بالنسبة للولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، وبات من الصعوبة إغلاق البوابة الاقتصادية في وجه الصين وعزلها عن العالم.

وانفجار الأزمة الاقتصادية في 2008 - 2009 أكد على نحو أكثر، أهمية الاقتصاد الصيني، وعدم نفع سياسة التهديد بفرض العزلة عليه من الجانب الأمريكي، وهذا دفع إلى ظهور فكرة الاحتواء الاستراتيجي.

ويرى كليري أن الإجراءات التجارية الأمريكية تجاه الصين من شأنها، إذا لم تتوقف في المستقبل القريب، أن تضر بالاقتصاد العالمي والولايات المتحدة نفسها.

إلينا سوبونينا لـ« البيان»: أمريكا تراجعت في المنطقة

كشفت الدكتورة إلينا سوبونينا، مستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، عن تراجع دور أمريكا في المنطقة، لكنها أشارت إلى أن التراجع نسبي، فالأمريكان موجودون عسكرياً في عدد من المناطق بالعالم.وأشارت المستشارة الروسية إلى أن ماهو مخيف ومقلق أن سياسة أمريكا الآن متضاربة غامضة وغير واضحة، وهذا ما يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

لكن هناك قوة اخرى وهي الصين مهتمة باستقرارالمنطقة، فالصين تعتمد على دبلوماسية الاقتصاد فهي تستمع لصوت الآخرين ولا تحتكر الحلول، فيما أمريكا حريصة على عدم تعديل سياستها حيث تتدخل في المنطقة عسكرياً دون الالتزام بقرارات مجلس الأمن، كما أنها تناصر علنياً إسرائيل لتحجيم القضية الفلسطينية.

لكن الصين حريصة على انتهاج دبلوماسية الإنصات لمشاكل العالم دون التدخل .وطالبت بتشكيل تحالفات دولية مع أوروبا والصين مثلاً للمساهمة في حل مشاكل المنطقة والعالم مشيرة إلى العلاقات المضطربة في الستينات في آسيا والتي تم حلها بتحاور جميع الأطراف وتعاون دول العالم لحل المشكلات فيما بين تلك الدول.

وقالت الدكتورة إلينا سوبونينا إن كل التحديات يمكننا العمل معاً لحل المشكلات الإقليمية بدل الانتظار لسنوات حتى التوصل إلى هذه القناعة، وأضافت طالما إنّه لا حلّ عسكرياً في سوريا، يتطلّب التوصّل إلى حلّ سياسي «تقريبَ وجهات النظر مع كافة القوى الإقليمية.وأشارت إلى أن روسيا منفتحة على التعاون مع أمريكا لحل مشاكل المنطقة، إلا أن عدم رغبة الأمريكيين بالتعاون قد يكون سببه عدم ثقتِهم بروسيا.

لمشاهدة الملف ..PDF اضغط هنا

 

Email