الوجه الجديد للحزب الديمقراطي الأمريكي

أوكاسيو-كورتيز بطلة خارقة في سلسلة قصص مصوّرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

فازت عضو الكونغرس اليسارية، ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، ببطولة المرأة الخارقة، ضمن قصص مصورة ساخرة، تعد بهجاء الجميع في واشنطن دون استثناء. فتلك النجمة الصاعدة، الاشتراكية الديمقراطية، التي أسالت الكثير من الحبر، أخيراً، على فوزها الباهر وسياستها الراديكالية وكاريزمتها وأسلوبها الصريح، كانت تسدد اللكمات ضد سياسيي واشنطن، وتُخل بالنظام، وتُزعج أركان النظام من الجمهوريين والديمقراطيين، على حد سواء.

نشاهدها على غلاف مجلة «دفيلز ديو كوميكس»، في وقفة تحدٍ أمام مبنى الكابيتول، مرتدية رداء المرأة الخارقة وممتشقة سيفاً، وفي غلاف آخر ببدلة بيضاء، وبيدها هاتف ذكي.

نسمة هواء نقية

ولا يخفى أنها غدت زعيمة الوجوه الجديدة في الحزب الديمقراطي. ويفيد محرر القصص المصورة، جوش بلايلوك، أنه استوحى الإلهام من الزخم الذي تولده، قائلاً: «قد لا يتفق كاتبو القصص على كل شيء، بيد أنهم يتقاسمون حماساً مشتركاً لنسمة الهواء النقية تلك التي جلبها الكونغرس الجديد»، فهو لم يسبق أن شاهد تلك الطاقة لمرشح على المستوى التشريعي من قبل، ليس حتى مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي نشر قصة مصورة له. الشهر الماضي، زاد الحماس للمشروع، بعد اقتباسها من القصص المصورة «واتشمان»، في الرد على مزاعم مجلة «بوليتكو»، أن قادة الحزب الديمقراطي كانوا يحاولون «كبح جماحها»، مغردة: «لا أحد منكم يدرك، أنا لست مسجونة هنا معكم، بل أنتم مسجونون هنا معي».

ومن المذهل تتبع صعودها السريع من نادلة في حانة بمانهاتن، إلى أصغر عضو يتبوأ منصباً في تاريخ الكونغرس الأمريكي. كان فوزها ضد العضو الديمقراطي العتيد جو كراولي في ولاية نيويورك، قد هز واشنطن، مشكلاً تهديداً للسياسيين المخضرمين المتمسكين بكراسيهم.

وقد وضعتها مجلة «فانتي فير» في مصاف أبرز الديمقراطيين، إلى جانب رئيسة مجلس النواب، نانسي بيولسي، بل كانت تطغى على بيولسي كهدف يصوب عليه الجمهوريون انتقادتهم، ناهيك عن وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون.

وصف ترامب الابن ميولها الاشتراكية، بأنها ستقود الأمريكيين إلى تناول طعام الكلاب، وأطلق مستشار البيت الأبيض السابق، سباسيتان غوركا، على مشروعها، الاتفاق الأخضر الجديد «بطيخ ستاليني»، لكنها ترى تلك الانتقادات رمزاً لقوتها، وليس لديها أوهام بتلاشي هذا «الهوس اليميني» بها قريباً، تقول لمجلة «فانتي فير» إن هدفهم: «تجريدي من إنسانيتي، فإذا لم ـستخدم صوتي فإنهم سيملؤون الفراغ، لقد شاهدوا صعود امرأة ملونة ولاتينية، من طبقة عمالية وخلفية فقيرة، فقالوا لا يمكننا السماح لها أن تحظى بمصداقية». ولهذا كانوا يترقبون كل هفوة ترتكبها للكشف عن افتقارها للخبرة، ولتوفير حكايات تدعم قولهم إنها معتوهة.

تتميز شخصيتها بالانفتاح والتقرب من الناس، فهي تتبادل العناق والمصافحات والتقاط السيلفي. وهناك طعم خاص لنجومتيها، وفقاً للمعلقين. فإلى جانب بديهتها وكاريزمتها ومهارتها في استخدام وسائل التواصل، تتمتع باستقلالية عن قيادة الحزب المتحجرة، وفهم حريص على الرهان على الناس مقابل الأقوياء، وخطاب تقدمي معاصر بشأن العرق.

تحدي الاعتدال

بعد فوزها الكبير في 6 نوفمبر بنسبة 78 % من الأصوات، انضمت في 14 نوفمبر إلى ناشطين بيئيين تظاهروا خارج مكتب زعيمة الأقلية، نانسي بيولسي، ما أثار ضجة في واشنطن.

وهي ترفض تلك الفكرة عن الاعتدال، وقالت في إحدى خطاباتها الأخيرة: «الاعتدال ليس موقفاً، إنه مجرد موقف من الحياة. لقد أصبحنا متهكمين للغاية، نرى السخرية موقفاً فكرياً فوقياً، وننظر إلى الطموح باعتباره سذاجة الشباب، في الوقت الذي أعظم الأشياء التي قمنا بإنجازها كمجتمع، كانت أفعال طموحة في الرؤية».

وفي عام 2011، توجهت إلى زملائها في جامعة بوسطن، حيث تخرجت بشهادة في الاقتصاد والعلاقات الدولية، في خطاب بذكرى مارتن لوثر كينع، تقول لهم: «العظمة لأولئك الجانحين، للمتصدين للوضع القائم». وكانت تقود نقاشات طلابية عن «قانون الرعاية بأسعار معقولة»، والديون الطلابية، وعدم المساواة الاقتصادية، لكنها تقول إنها لم تفكر بنفسها كناشطة سياسية، تقول «أطلقوا علي صفة ناشطة سياسية في كل مرة أطرح ضرورة أن يحظى الأطفال في البرونكس بتعليم جيد، في الوقت الذي ما كنت أقوله شيء يقوله كل أب مسؤول لأبنائه».

حملتها في مايو 2017، كانت بمجموعة من المتطوعين الذين اقترحوا أفكاراً كبيرة، ضمان شامل للوظائف، إلغاء قانون الجمارك الهجرة، ومجانية التعليم. وبفضل هويتها ورسالتها وأسلوبها في التواصل، كانت تشبه الشباب والمهاجرين والملونين والمصوتين غير التقليديين. ولها شعبية واسعة بين الشباب، إذ حصدت 80 % من الأصوات في الدوائر، حيث الناخب العادي بعمر أقل من 40 عاماً، وفقاً للمركز التقدمي للبيانات.

وصفها وزير الخزانة البريطاني السابق، جورج اوزبورن، أشهر السياسيين في العالم، وجزء من حركة دمرت النظام السياسي القديم، بإدراكها لوسائل التواصل الاجتماعي. ومع عشرات الألوف من الأتباع على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أكثر شهرة حتى من منافسين على الرئاسة عام 2020. وهي تقول إن وجودها على الإنترنت سمح لها بتجاوز إعلام لا هم له إلا الحديث عن عرقها، وأن تتواصل مباشرة مع المصوتين، ويستمع إليها الألوف تتحدث بالسياسة، كما وهي تصنع طبق «ماك أند تشيز» على «إنستغرام»، مظهرة مخاوفها وترددها.

صوت جيل جديد

إنها صوت جيل جديد في أمريكا، تقول أوكاسيو ــ كورتيز، إن جيل الألفية لم يرَ ثمار الرأسمالية. كانت في 18 عندما ضرب الكساد العظيم، وشاهدت أوباما ينقذ المصارف، وارتفاع ديون الجامعات، ثم خسارة الحزب الديمقراطي، فوجدت إلهاماً في نقاشات برني ساندرز، بشأن عدم المساواة في الثورة والدخل، باعتباره «القضية الأخلاقية».

كانت الأولوية بالنسبة لها «الاتفاق الأخضر الجديد»، استثمارات عامة في وظائف الطاقة الخضراء والبنية التحتية، وقد واجهت مقاومة شرسة من الديمقراطيين النافذين في واشنطن، بما في ذلك بيولسي. ثم اشتعل الصراع عندما قادت كورتيز ناشطين بيئيين شباب في احتجاج خارج مكتب بيولسي، كانت تلك شجاعة منها.

الانتقادات ضدها لا تقتصر على الجمهوريين، بل يقول عدد من الديمقراطيين إن اقتراحات سياساتها مكلفة للغاية وغير عملية، وأن هناك عدم دقة بشأن تكاليف البرامج التي تدعمها، مثل «الرعاية للجميع»، ومعدل البطالة. لكن أوكاسيو-كورتيز ترد بالقول إن هناك عدداً لا يحصى من الطرق لتمويل الجامعات والرعاية الطبية، وضمان الوظائف الفيدرالية: «يمكن الدفع مقابلها، من خلال توفير التكاليف على الإنفاق، ومن خلال ادخار المال على الإنفاق العسكري، ورفع الضرائب على فئة الأغنياء».

قالت: «نحن نكتب عملياً كتاباً جديداً بالكامل»، وكانت تدفع الحزب إلى اليسار بالتركيز على إزاحة شاغلي المناصب الحاليين. هذه الاندفاعة لاستبدال القدامي أخافت قادة الحزب، برغم ذلك، لا تبدو قلقة، فبعد يوم من قسمها اليمين، سخر منها الجمهوريون على رقصها في فيديو قديم مع أصدقائها في الجامعة، على أنغام فيلم «بركفست كلوب»، قائلين إنها تتصرف مثل مغفلة، فنشرت فيديو آخر في اليوم التالي، خارج مكتبها وهي ترقص على أنغام «الحرب» لأدوين ستار، وكتبت: «إذا اعتقد الجمهوريون أن النساء يرقصن في الجامعة أمر فاضح، فانتظروا حتى تكتشفوا أن النساء يرقصن في الكونغرس أيضاً»! فحصدت رسالتها إيماءات إعجاب أكثر من أي شيء سبق أن نشرته.

Email