مذكرات جو بايدن تكشف وجهه المغيب

كثيراً ما يغيب عنا، في غمرة الأحداث السياسية، أن للسياسي وجهاً آخر يخبئ وراءه أفراحه وأتراحه، وأحلامه وإحباطاته، والتي تكشف عنها مذكراته الشخصية، حتى إن أحسن تغليفها، كمذكرات نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن «عدني يا أبي» خلال سنة من حياته، في فترة هامة حافلة بالاحتمالات في تاريخ الولايات المتحدة ما بين 2014 و2016.

وكتب بايدن في مذكراته عن المرض الذي غيب ابنه البكر بمرض السرطان عن عمر يناهز 46 عاما، وقراره بالامتناع عن خوض الانتخابات الرئاسية في عام 2016، واضطراره للتعامل مع الأزمات الخارجية.

أحداث أليمة

وكانت قد عصفت بحياة بايدن الشخصية في تلك السنة أحداثاً أليمة، دفعته للكتابة بالثواني والدقائق والساعات، حسبما يقول، فيما كان عليه التعامل مع مرض ابنه الداهم مع وجود احتمال ضئيل في إنقاذه، إلى جانب أزمات خارجية طارئة حسب وصفه، وقد أمضى تلك السنة متنقلاً بين لقاءات عائلية مؤثرة في مركز اندرسون للسرطان في هيوستن، ومكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وجلسات غداء ودية مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي يخبرنا في مذكراته أنه حاول ثنيه عن مساعيه للترشح عن الحزب الديمقراطي.

وفي تعويض عن الكتمان الذي طغى طوال فترة المأساة، يركز الكتاب على التفاصيل الحزينة لاحتضار نجله بو، الذي كان مرشحاً لمنصب حاكم ديلواير عام 2016، مصوراً اللحظات القاسية نتيجة لمضاعفات العلاج والمرض اللذين استنفدا طاقته وشهيته، وكيف أنشد له أغنية على سرير الموت كانا يردداها معاً في فترة طفولته، فيما كان هذا الأخير مشلول الحركة يصارع الموت، وذلك قبل بضعة أسابيع من وفاته في 30 مايو 2015. كما الأمل الذي ظل يعتمل في نفس بايدن بنجاة ولده، واصفاً الوداع الأليم بعد سنتين من اكتشاف الأطباء لورم في دماغه، معرباً عن قناعته بإمكانية ترشحه للرئاسة يوماً ما، لو بقي حياً.

وبرغم التفاصيل الكثيرة في مذكراته، إلا أن بايدن لم يدخل في الدراما العائلية التي تكشفت بعد أسابيع من وفاة نجله، وفقاً لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، والتي كانت تشير إلى خلاف أخيه هنتر مع زوجته كاتلين في ظل اتهامات بأنه كان ينفق ثروة العائلة على المخدرات والبغايا، وما أشيع عن علاقة مستحدثة تربطه بأرملة أخيه.

يقول إنه أراد الاحتفاء بحياة ابنه، بعد أن ذاق طعم فقدان الأحبة بوفاة زوجته وابنته في حادث سيارة مروع عندما كان في سنواته الأولى كأصغر سناتور في البلاد، ويدرك تماما مراحل الحزن كما الكثير غيره، تلك المرحلة من الانتقال من الألم إلى الشعور باليأس ومن ثم التعافي، فالأمر جله يتعلق بمرور الوقت.

عرض مالي

وكان أوباما أول شخص خارج العائلة يعلم بمرض بو، إلا أنه لم يدرك مدى جسامة الموضوع، إلى حين استقال بو من منصبه كنائب عام لديلواير نتيجة لاشتداد مرضه، وتراكم التكاليف الطبية والتي عرض أوباما إمداده بالمال لتغطيتها.

وهنا خيط في المذكرات يشد القارئ إلى احتمال إعادة ترشح بايدن للرئاسة، على الرغم من محاولتين باهتتين عامي 1988 و2008. وكان بايدن أصلاً من المرشحين المحتملين في 2016، ويبدو انه كان ينظر بجدية للأمر أكثر مما يعتقد من قبل، وأنه بدأ التحضير له منذ صيف 2013. وجمع فريقاً حوله من دائرته الضيقة تضم بعضاً من موظفي اوباما الكبار، وحتى الممثل جورج كلوني تطوع لمساعدته في جمع التبرعات. يفيد موقع «ان بي ار»، أن شروعه في تأليف مذكراته كان يخدم أغراضاً عدة، فإلى جانب الحاجة إلى الشفاء والبحث عن هدف، كان واعياً أيضا لتلك النوايا الحسنة التي تلقاها بعد وفاة نجله، حيث لفت الانتباه أكثر مما توقع، بعد ظهور مؤثر في برنامج ستيفن كلوبرت في سبتمبر 2015.

لكن بايدن لم يترشح عام 2016، على الرغم من اعتقاده بإمكانية الفوز على هيلاري كلينتون، وهو ما اثار الشكوك من أنه كان يخشى من حملة شرسة «لا تقف عند حدود» من قبل داعمي هذه الأخيرة.

أوباما بدوره لم يشجعه ربما لاقتناعه بعدم قدرته على هزيمة كلينتون، برغم أن الأمور كانت تتجه لصالحه في ظل الأوضاع التي تعيشها الطبقة الوسطى المهزومة، ومشاعر الشعبوية والمصداقية، حسب قوله. ويصف لقاء جمعه مع اوباما على الغداء عام 2014، قال له فيه: «لو كان أمر التعيين بيدي، لعينتك رئيساً، فنحن نتفق على كثير من القضايا، وأنا على علم بقدراتك القيادية، وأعتقد أنك ستكون أفضل رئيس»، لكنه يقول إن اوباما كان يتعرض لكثير من الضغوطات، وهو كان يشعر بها أيضا.

وحتى ديسمبر 2016، كان لا يزال متردداً، ثم أعلن في أكتوبر عن قراره عدم دخول السباق في انتخابات 2016، مقراً بعد ذلك أنه نادم على عدم الترشح للرئاسة كل يوم. فهل مواهبه التي قد لا تكون ملائمة لفوزه في الانتخابات منذ عقود، كانت تحديدا ما كان يتطلع إليه عامة الناس حينها؟

مشاعر حزنلكن وفاة نجله استنفد الكثير من طاقته العاطفية، واصطحب القارئ إلى اللحظات الأخيرة لقراره، مدركاً عدم استعداده نفسياً. ويذكر حادثة حصلت معه أثناء وجوده في كولورادو للتحدث أمام حشد من اجل جمع التبرعات، عندما قال له أحدهم انه كان يخدم في الجيش مع بو، فغمرته مشاعر الحزن واعتقد أن الجمهور يمكنه رؤية ذلك، فغادر المكان ملوحاً لسيارة للتوقف: «طريقة تصرف لم تكن مناسبة لمرشح رئاسي»، حسب وصفه. ومما عقد الأمور هو انه بعد وفاة نجله، بدا واضحاً أن المتوفى كان يريده أن يترشح، بل يذكر أن أولاده الثلاثة لم يكن يريدون منه التراجع.

وبشأن احتمال ترشحه للرئاسة عام 2020، لم ينف الأمر ولم يؤكده، لكنه سيكون بعمر 77 عاما في 2020، ربما أراد من خلال هذا الكتاب الحفاظ على اسمه وإبقائه قيد التداول.

الأكثر مشاركة