عودة روسية لنظام القطبية من الباب «الأوراسي»

الاتحاد الذي وقّعته كل من روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا في العاصمة الكازاخية آستانة، تحت مسمى «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، يتجاوز السقف الاقتصادي في نظر كثير من المراقبين والمحللين، لاسيما وأن الإعلان عنه جاء في وقت تشهد العلاقات بين روسيا والغرب توتّراً اقترب من اعتباره عودة للحرب الباردة، بدأت من التعاطي المتناقض مع الأزمة السورية وتصاعدت مع نشوء الأزمة الأوكرانية التي تعاملت معها موسكو بحزم فاق توقّعات الغربيين، وبخاصة في موضوع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

إزاء هذه المعطيات، لا تبالغ صحيفة «كوميرسنت» الروسية في وصفها الاتحاد الأوراسي الوليد بأنه التحالف، الذي توشك أرمينيا الانضمام إليه، الأقرب إلى الحقبة السوفييتية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما نسب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تصريحات اعتبر فيها ما معناه أن الحدود الروسية الحالية «غير نهائية».

ورغم أن الاتحاد الوليد تضمن، على نحو أساس، اتفاقات اقتصادية بين الدول الثلاث، لكنه يشمل قضايا سياسية بحتة، الأمر الذي أعاد لذاكرة الصحيفة الروسية حقبة السوفييت، حتى لو جرى تظهيره كاتفاق يسعى لتكريس تكامل اقتصادي ويحمل عناوين مثل المعاشات التقاعدية والصحة والرعاية الاجتماعية.

إذاً، يأتي اتفاق آستانة خطوة متقدمة في اتجاه الاتحاد سيكون الأشد تكاملاً بين أربع جمهوريات سوفييتية سابقة (بعد انضمام أرمينيا).. في وقت يتقافز اهتمام موسكو على صفيح أوكرانيا الساخن، خصوصاً - كما تشير صحيفة «كومسولوسكايا برافدا» - أن الرئيس الأوكراني بيتر باراشنكو الملقّب بـ«ملك الشوكولا» والذي نضج انتخابه على نار التوتّر الروسي الغربي، حرص على تدشين منصبه بلقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل أن يتم تنصيبه رسمياً رئيساً لأوكرانيا، وفي هذا أكثر من رسالة تحد موجهة إلى موسكو التي مازالت تمسك بقوة بورقة مقاطعات جنوب شرق أوكرانيا.

إضافة إلى ورقة الغاز التي يمكن بكل تأكيد اعتبارها القصبة الهوائية أو إكسير الحياة لأوكرانيا، وكانت دائماً تجبر زعماء أوكرانيا مهما بلغت درجة ولائهم للغرب، يأخذون بالاعتبار رضى أو غضب موسكو. وفي هذا السياق جاء إمهال روسيا لأوكرانيا أسبوعاً إضافياً ينتهي الإثنين المقبل قبل بدء العمل بنظام الدفع المسبق للغاز، تحت تهديد وقف التسليم، ما يثير قلق أوروبا التي يمر الغاز الروسي إليها عبر أوكرانيا.

ذكريات جورجيا

وقد يكون أوباما مسكوناً بذكريات جورجيا، حين اقترح من وارسو، الثلاثاء الماضي، خطة أمنية بقيمة مليار دولار لطمأنة حلفائه في أوروبا الشرقية القلقين من تعاطي موسكو الحاسم في أوكرانيا.

ومن الجدير الانتباه إليه أن زيارة أوباما لوارسو أهم مما قاله هناك، ذلك أن الهدف المعلن والمتمثّل بالمشاركة في إحياء الذكرى الـ25 للانتخابات الأولى في بولندا، ليس أهم من أن هذه الدولة كانت ضمن الكتلة السوفييتية.

وكانت من أوائل الدول الشرقية التي شهدت ظهور قوى مضادة، مثل «حركة تضامن» التي لبست ثوباً نقابياً ثم سرعان ما اتضحت حقيقتها السياسية التي أوصلت زعيمها ليخ فاونسا إلى سدة الحكم بدعم معلن ومعترف به من الولايات المتحدة والغرب عموماً. ولم يخرج إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن التوجه إلى كييف لحضور مراسم تنصيب بوروشنكو عن كونه إشارة مشابهة.

الخيار المستبعد

لكن لا فرنسا ولا أوروبا في وارد زيادة التصعيد ضد موسكو، أو هم يدركون حدود القدرة على الفعل على هذه الجبهة. وهذا ما تؤكده تصريحات دوائر حكومية في برلين، استبعدت لجوء الدول الصناعية السبع الكبرى لفرض عقوبات جديدة على روسيا. ومن المرجّح أن يبقى هذا الخيار مستبعداً فيما تمضي موسكو في مسار إعادة بناء العالم متعدد الأقطاب.

 إضاءة

تعد القيادة الروسية للاتفاق منذ نهاية العام الماضي.. وكانت الأوامر صارمة من قبل رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف لوزارتي الخارجية والتنمية الاقتصادية، بضرورة إنجاز مشروع الاتفاقية حول إقامة اتحاد اقتصادي أوراسي قبل منتصف أبريل.

ويتضمن الاتفاق أهدافاً بعيدة المدى للتعاون المشترك، ويطمح إلى مستوى جديد من التكامل مقارنة بشكل التكامل الحالي في إطار الاتحاد الجمركي، والفضاء الاقتصادي الموحد.