الطريق أمام استعادة الهدوء وإحلال السلام في سوريا طويل وغادر

فوز النظام بحلب انتصار باهظ الثمن

إخلاء شرق حلب كشف ملامح المعاناة الإنسانية للسكان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في قانون الحرب تذهب الغنائم عادةً للمنتصر، إلا أن المشهد الذي سطر سقوط شرقي حلب المدوي بيد قوات النظام وحليفيها الروسي والإيراني يطرح علامة استفهام كبرى اليوم حول هوية المنتصر الحقيقي في سوريا.

وقد بدأ عشرات آلاف المدنيين المروعين عملية إخلاء بطيئة ومؤلمة من بين ركام ما كان يوماً يسمى مساكن، فبدأت تتكشف ملامح حقيقة المعاناة الإنسانية. ولا أحد يعلم بعد على وجه التحديد حصيلة عدد القتلى أو الجرحى الذين أسفر عنهم اجتياح حلب الأخير. كما لا يهتم أحد للمستشفيات والمدارس والمباني السكنية التي سواها القصف العنيف جميعها بالأرض.

أما قصص الإعدامات الموجزة للمدنيين والمقاتلين، وحوادث التعذيب الاغتصاب والمقابر الجماعية، فتطغى عليها التمثيليات الدبلوماسية العقيمة على مسرح مجلس الأمن، والأخبار التي تتحدث عن تعليق واستئناف عمليات الإخلاء في كل من حلب وإدلب.

دور أنقرة ونفوذها

وما كان يمكن إتمام تلك الصفقات بغياب المفاوضات التركية مع روسيا التي أصبحت تحكم السيطرة على الملف السوري اليوم. وقد رغب النظام السوري والميليشيات الإيرانية بنهاية أكثر دموية لحصار حلب تقضي إما بالاستسلام التام، أو القضاء على جميع المتمردين.

أما موسكو المكروهة من واشنطن والعواصم الأوروبية، فقد اتجهت نحو أنقرة في تنكر متعمّد لأميركا وبقية دول الغرب. وانطوى التركيز التركي، محسوب الخطى، على روسيا على مشاعر غضب متنامية في أوساط إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وبعض الحلفاء الذين لم يحركوا ساكناً إزاء تهشيم شرقي حلب.

وعزز التدخل التركي مكانة البلاد إقليمياً كطرف مدافع عن السنة وكلاعب أساسي في سياسة المنطقة. وقد غيّرت تركيا منذ التقارب الحاصل بين رئيسها رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواعد اللعبة في سوريا، فأرسلت جنودها شمالاً لتأمين الدعم لمقاتلي الجيش السوري الحر. إلا أن الهدف لم يكن في القضاء على معاقل «داعش»، بل الحدّ من تقدم المقاتلين الأكراد السوريين غربي الفرات.

وأعادت أنقرة بهذه الخطوة التأكيد على دورها ونفوذها في الأزمة السورية وحجزت لها مقعداً على طاولة الترتيبات السياسية المقبلة. ويمثل تهميش الإدارة الأميركية في سوريا قمة الفشل والتردد السياسي الذي أثار حفيظة حلفاء أميركا في المنطقة وأثار التساؤلات حول قيادة واشنطن.

طريق السلام الطويل

ويعتبر مصير سوريا اليوم مرهوناً بيد روسيا وإيران وتركيا، حيث يجتمع وزراء دفاع تلك الدول لمناقشة تمديد هدنة وقف إطلاق النار وتطبيقها في كل أنحاء سوريا. ويعكس اللقاء الثلاثي حقيقة جيوسياسية ناشئة اليوم، منوطة بسخرية عدم دعوة نظام دمشق إلى الاجتماع الذي يعقد في موسكو.

ولا بد لبوتين بوصفه المالك الأول للملف السوري أن يستلم زمام الأمور ليس لناحية العمليات العسكرية وحسب، بل ولتأمين خارطة طريق سياسية للمضي قدماً. وقد اقترح عقد محادثات سلام جديدة في كازاخستان، مهملاً جولات المفاوضات التي تمت في كل من جنيف وفيينا.

إلا أن الطريق قطعت عليه منذ البداية، حيث أنه بغياب الدعم الغربي ومشاركته، ستكون العملية محفوفة بالتحديات. ولا يمكن لبوتين الاستمرار في تهميش أعدائه الغربيين والإمعان أكثر في تحدي الإرادة الدولية.

ويبدو أن تركيا قد التحقت بركب رابطة موسكو طهران أنقرة إذا جاز التعبير، التي ستكون على موعد قريب مع الانشقاق. وإن أجندة طهران الطائفية في كل من العراق وسوريا ستصطدم بمعارضة من موسكو وأنقرة على السواء.

لن يتم التنعم بغنائم الحرب طويلاً، فسوريا لا تزال في عداد الدول المنقسمة والهشة، وفق ما أكدت وقائع استعادة التنظيم المفاجئة لتدمر من يد قوات الحكومة، أخيراً.

لا يزال الطريق أمام استعادة الهدوء وإحلال السلام طويلاً وغادراً، كما سيتبين لبوتين قريباً. أما بالنسبة للنظام السوري الذي يأمل بإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل مارس 2011، فإن الفوز بحلب سيثبت أنه انتصار غالي الثمن في نهاية المطاف.

وفاق هش

سيكون لزاماً على بوتين أن يسلّم سوريا بصورة تنعم بالسلام والاستقرار بما يسمح بعودة النازحين واللاجئين في ظل مخططات خارجية مشؤومة بتنفيذ عمليات تطهير إثنية وطائفية تضمن بقاء نظام الأسد. ويبدو واضحاً أن الوفاق بين إيران وروسيا سيخضع لعدة اختبارات، ما قد يثبت أنه هش بما يكفي.

وستسعى أنقرة البراغماتية، بالرغم من معارضة تركيا لنظام الأسد إلى تركيز مساعيها على احتواء أكراد سوريا وقتال حزب العمال الكردستاني على أرضه. أما العلاقات التي تربط أردوغان مع بعض المجموعات القتالية المتطرفة في سوريا ستخضع حتماً لإعادة النظر مع تحوّل الاهتمام اليوم إلى القضاء على تنظيم داعش.

Email