فروقات بين المشهدين السوفييتي الأفغاني والروسي السوري

سبعة تفسيرات لعملية بوتين العسكرية في سوريا

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكد تمضي بضعة أيام على بدء التدخل الروسي في سوريا، حتى علق الرئيس الأميركي باراك أوباما بالقول«إنها ستغرق في مستنقع الأحداث وإن الأمور لن تنجح».

إلا أن الشهور العشرة الأخيرة أثبتت عكس ذلك. ولا تبرز الكثير من المؤشرات إلى أن آلة الحرب الكرملينية تعيش مأزقاً أو عجزاً في ظل إعداد روسيا العدة لمساعدة حليفها الرئيس السوري بشار الأسد على استعادة مدينة حلب، آخر معاقل المعارضة السورية الاستراتيجية.

ويبدو أن روسيا قد سجلت جملة انتصارات تفوق الانتكاسات في سوريا، وبالكاد يتذكر أحد اليوم إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس الماضي عن بداية سحب قواته، الذي تبين أنه انسحاب يوازي من حيث النظرية مستنقع أوباما.

محاولات تفسير

وقد ركزت معظم محاولات تفسير العملية العسكرية لبوتين في سوريا على النقاط التالية، فأشارت أولاً إلى أن حساسية بوتين إزاء الثورات الشعبية تدفع باتجاه تجنبه تغيير النظام في دمشق على غرار ما حدث في تونس وليبيا ومصر عام 2011.

وأكدت، ثانياً، على رغبته في الحفاظ على آخر موطئ قدم لروسيا في العالم العربي، وسعيه، ثالثاً، إلى الإثبات بأن روسيا ستفعل كل ما يلزم للدفاع عن حليفها، وتوقه، رابعاً، لتحويل الانتباه عن أوكرانيا وانتزاع تنازلات من الغرب تتعلق بتخفيف العقوبات.

وركزت النقطة الخامسة على وصولية بوتين وتعويله على التذبذب الأميركي حيال التورط أكثر في الشرق الأوسط، فيما أشارت محاولة الشرح، سادسا، إلى اعتقاد بوتين أن خلق حالة الفوضى، على الرغم من عدم وجود نهاية واضحة للعبة، يثبت أن روسيا قادرة على قلب معادلات الغرب ومخططاته، وختمت المحاولات بنقطة سابعة، تفيد بأن الأمر برمته يدور حول سياسة روسيا الداخلية، بمعنى أن الحزم القومي والسياسي يسير بالتكافل والتضامن مع حاجة بوتين لضمان نفوذه.

ومع أن ما تقدم ذكره قد يكون على جانب من الحقيقة، إلا أن إقدام روسيا على قصف شعب حلب المحاصر بالصواريخ، في ما يعرف بأكثر المعارك حسماً في الحرب الأهلية السورية، يشكل قطعةً أخرى من أحجية العقلية البوتينية، بمعنى أن روسيا ترغب من خلال حرب سوريا في محو الإذلال الذي عاشه الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في الثمانينيات.

دروس حملة أفغانستان

إلا أنه لا بدّ لبوتين أن يكون على بيّنةٍ من دروس حملة أفغانستان في الثمانينيات. حيث إن المقارنة ليست دقيقة بالكامل، وقد نفّذ الجيش السوفييتي اجتياحاً برياً هائلاً لأفغانستان، حشد له في أوج الحملة 115 ألف جندي.

أما في سوريا فقد حصرت روسيا نطاق تدخلها بالحرب الجوية، على الرغم من نشر بعض «المستشارين العسكريين» الميدانيين، وفرزت بعض العناصر المسؤولة عن أسلحة الدفاع الجوي والمدفعية. كما أن لروسيا حليفاً خارجياً قوياً متمثلا بإيران، التي كانت تعتبر عام 1979، بالمقابل، عدو موسكو اللدود.

وقد اعتبر الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عام 1979 أن اجتياح أفغانستان «يشكل التهديد الأكثر خطورةً للسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية». أما في 2015 فقوبل التحرك الروسي في سوريا بلامبالاة أوباما، علماً أن واشنطن قد أخذت على حين غرة في هذا الإطار.

ولا ننسى أن الاتحاد السوفييتي كان في العام 1979 يجني أرباحاً هائلة من ارتفاع أسعار النفط، في حين أن إطلاق روسيا لعملياتها في سوريا عام 2015 قد تزامن مع دخول البلاد في حالة ركود اقتصادي.

ومع ذلك، فقد تمكنت روسيا حتى الآن من إنقاذ نظام الأسد عبر التدخل، خلافاً لإخفاق الاتحاد السوفييتي المدوي آنذاك في حماية نظام حليف في أفغانستان.

ويستحيل البتّ بشكل نهائي اليوم بمدى استدامة المكاسب الروسية، لكن بوتين يتذكر حتماً كلمات يوري أندروبوف، المسؤول الاستخباراتي السوفييتي القوي الذي يحاول التشبه به، حيث قال في اجتماع للمكتب السياسي السوفييتي في العام 1979: «لا يسعنا أن نخسر أفغانستان.» ويفكر طبعاً بأنه لا يستطيع أن يخسر في سوريا.

متوازيات

لا يحتاج بوتين لأن يشير علانيةً إلى أنه يضع رهانه في سوريا في خانة الانتقام من أميركا لما ألحقته من خسائر بالسوفييت قبل عقود في أفغانستان. إلا أن التأثير السيكولوجي لإبطال مفاعيل الاستراتيجيات الأميركية في الشرق الأوسط له مفعول مشابه.

وفي قراءة لمتوازيات المشهد السياسي بين الأمس واليوم، نرى أنه حين دخل السوفييت إلى أفغانستان، بدا الأميركيون غارقين في جدالات لامتناهية حول فيتنام و«ووترغيت». أما اليوم فتدفع روسيا بمصالحها في سوريا بالتوازي مع التخبط الأميركي في ظل سياسات المرشح الجمهوري دونالد ترامب وعزلة الولايات المتحدة المتنامية.

Email