الصين وروسيا والحرب المحتملة تتصدر هواجس بريجينسكي

«إعادة الاصطفاف العالمي» إفلاس استراتيجي

أميركا تسعى لاحتواء روسيا أو الصين لضمان بقائها

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثبت زبينغيو بريجينسكي مستشار الرئيس الأميركي الأسبق لشؤون الأمن القومي، في آخر مقال له بعنوان «نحو إعادة اصطفاف عالمي»، أن العمر قد علا به حقاً، وأنه لم يعد بمقدوره إضافة المزيد إلى رصيده الفكري.

من الواضح أن العناد حال دون استقالة بريجينسكي من دوره كمحلل استراتيجي للنخبة الأميركية، و أنه مصر على إقناع قادة «وول ستريت» بأنه لا يزال يستطيع إنقاذهم مما يسميه بالكارثة الوشيكة.

ويتناسى بريجينسكي أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد قامت على مخططاته، سيما منذ انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما. ويبلغ بريجينسكي متابعيه بأن أميركا ستخسر قريباً موقعها القوي، وأنها قد تمنى بهزيمة فادحة إذا ما دخلت الحرب ضد «منافستيها» الصين وروسيا.

بين الصين وروسيا

أما عما يجب فعله، وما هو المخطط، فيقول بريجينسكي إن الحل الأوحد يكمن في بث الفرقة بين الصين وروسيا وإقناع إحدى الدولتين «المعاديتين» بالتحالف مع واشنطن ضد الأخرى. إنه حلّ أقل ما يقال فيه إنه بعيد عن التحقيق، يلامس حدّ إثارة الشفقة.

وفي تلميح واضح إلى رفض روسيا الاستسلام للحرب الاقتصادية والمالية والعسكرية والنفسية الضروس التي تُشن ضدها، يحذر بريجينسكي من وجود «غريم» قادر على توظيف «أنظمة تسلح جديدة» ترغم الولايات المتحدة على الاختيار بين الانتحار الأكيد المتبادل وفقدان السيطرة.

ويعني بالتالي أن «اكتساب بعض الدول المفاجئ لقدرات تضع أميركا في موقع الدونية العسكرية من شأنه أن ينذر بنهاية الدور الأميركي على الساحة العالمية».

ويحذر بريجينسكي من أن يكون ذلك مرادفاً لـ«فوضى عالمية محتملة»، ويعتبر أن ذلك يدفع أميركا للفصل بين الصين وروسيا، على الفور، واستقطاب إحداهما إلى الصف الأميركي. ويبقى السؤال هنا هو: أي من الدولتين يجب أن تكون الحليف وأيهما العدو؟ ويوضح بريجينسكي أنه على النخبة الأميركية «أن تحتوي المنافس الأقل إمكانية للتنبؤ والأكثر ترجيحاً للتجاوز.

وتعتبر روسيا حالياً عدوا أكثر إمكانية للتجاوز». فهل يعني ذلك إقامة تحالف مع الصين بوجه روسيا بوتين؟ ويتأنى بريجينسكي هنا للقول «ليس بهذه السرعة»، حيث إنه «على المدى الطويل يمكن للصين أن تصبح الدولة الأكثر قابلية للتجاوز».

استعراض للعجز

ومن المتوقع هنا أن تكون محاولة بريجينسكي زرع الشقاق بين الدولتين المنافستين وعرض شراكة على الدولة الأكثر استعداداً. وسنكون في هذه الحالة شاهدين على حالة من التضليل المطبق، واستعراض للعجز.

وتضمن الأثر الفكري الأحدث للمفكر الاستراتيجي الأميركي تقييمه لأوروبا والأوروبيين، وانطباعاته عنهم، التي لا يتردد في الإعراب عنها صراحةً. وفي حين أن التردد يغلب على آرائه حول ما يجب فعله على الساحة العالمية، لا يساور بريجينسكي أي شكوك حيال الأوروبيين، الذين يقول إنهم منهارو القوى تماماً، مسيطر عليهم بالكامل، وعاجزون عن تمثيل أي تهديد فعلي أو محتمل للهيمنة الأنغلو-أميركية.

ويعتبر بريجينسكي أن الأوروبيين ماضون في إطاعة كل أنواع الأنظمة على حساب سيادتهم، ومصالحهم الاقتصادية الأساسية، وأنهم يسعون لتحصين قفص «ناتو»، وأنهم يتعرضون على نحو مطرد وغير قابل للعودة لإضعافهم إلى حدّ الفوضى الناجمة عن موجات الهجرة المنظمة من الجنوب، التي تسمى بـ«الصحوة» في قاموس بريجينسكي.

ويؤكد بريجينسكي على ضرورة أن تحرص الولايات المتحدة على استمرار أحداث الربيع العربي والحروب الأهلية، وتصعيد وتيرتها، أولاً من أجل التمكن من زعزعة الاستقرار في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وثانياً لترجيح زيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا من تلك الدول.

اقتصرت قدرات بريجينسكي الجيوسياسية المبالغ في تقديرها على استغلال الإرهاب والجريمة المنظمة والحملات الإعلامية والدعاية المسيئة، التي أتت بكليتها للتعتيم والتغطية على هذه العمليات التي كانت لولا ذلك ستعتبر أعمالاً حربية صريحة.

إلا أنه الآن ما عاد يستطيع فعل الكثير ليس لناحية التستر على لائحة جرائم الحرب الطويلة، بل على تجاوز العجز كذلك.

صحوة

يبرر بريجينسكي عنف الجماهير اليائسة، ويحرض عليه ضد أوروبا، مشيراً إلى أن «الصحوة السياسية العنيفة الراهنة في أوساط أبناء العالم الثالث في مرحلة ما بعد مرحلة الاستعمار ليست سوى ردّ فعل متأخر على القمع الوحشي الذي تعرضوا له سيما على يد القوى الأوروبية.» .

وانهمك بريجينسكي عام 2008 بالعثور على الحبة السحرية التي تضمن بقاء قوة قادة «وول ستريت» التي تعرضت لتقويض خطير في عهد بوش- تشيني.

ويتباهى بريجينسكي في مقاله بالقول إن أوباما كان تلميذه المطيع الذي عقد صفقة مع الشيطان، وأنه كان يزود النخبة الأنغلو- أميركية بالوصفة السحرية المعتادة التي من شأنها إنقاذ الهيمنة الأميركية.

Email